السؤال
كنت أرسلت هذا السؤال: 2566598، وأحلتموني إلى فتاوى أخرى، لكني لم أجد فيها إجابة لسؤالي، فبالله عليكم دلوني على إجابة عليه من فضلكم دون الإحالة لفتاوى أخرى.
وكان سؤالي هو: أنا مصابة بوساوس شديدة في الكفر وفي معظم العبادات، وكنت قرأت من سنتين أن "من صلى حكم بإسلامه بمجرد صلاته حتى لو لم يكن نطقه فيها التشهد بنية التوبة من الكفر" في فتاوى عديدة لديكم، وهذا الأمر خفف علي الكثير، ولكن من فترة قرأت فتاوى أنه يجب أن يندم ويعزم على عدم العودة، فمثلا الفتاوى رقم: 94873 ورقم: 214216 وأن التوبة شرط من شروط دخوله الإسلام، وأن توبته لا تكون صحيحة إن لم يندم وأنه مسلم حكما لا حقيقة، فهل معنى ذلك أنه ليس مسلما وما زال كافرا؟ أم أنه أصبح مسلما بعد نطق الشهادتين أو الصلاة، لكن يجب أن يندم ويتوب لكي يغفر الله له هذا الذنب؟ أي لو أني صدر مني عمل كفر، ولم أندم لكني صليت وقلت إني بصلاتي سأصبح مسلمة وأن توبة الكافر بصلاته كما قرأت، أو صدر من زوجي مثلا عمل وأنا أعلم أنه لم يندم عليه لكونه لا يظن أنه كفر من الأشياء التي لا يعذر بالجهل بها، ولكنه يصلي، فهل هو مسلم أم ماذا؟
بالله عليكم أجيبوني، أنا أعيش حياتي على هذا الأساس، وأنا أمر بعذاب لا يعلمه إلا الله، وأنا أيضا كنت قرأت فتوى لديكم أن شخصا سب الدين ولكن لم يتب ويصلي، وبعد عام تاب من هذا الفعل، وكان يسأل عن أعماله في هذا العام هل هي صحيحة أم يجب أن يقضيها؟ وقلتم: نعم إنه مسلم بمجرد صلاته، وأعماله صحيحة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننصحك بالإعراض عن الوساوس وترك التفكير فيها، وأن تشغلي وقتك عنها بالتعلم والدعوة، وأن تستعيذي من الشيطان، وتشتغلي بالذكر كلما خطرت الوساوس بقلبك.
وقد نص أهل العلم على أن توبة المرتد تكون بإسلامه، فإذا نطق بالشهادتين فقد دخل في الإسلام، إلا أن تكون ردته بسبب جحد فرض ونحوه، فإن توبته حينئذ تكون بالنطق بالشهادتين مع إقراره بالمجحود به؛ قال في زاد المستقنع: وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ومن كفر بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، أو قول: أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام. انتهى.
وأما الندم فواضح من حالك وإصرارك على الفتوى فيه أنه حاصل، مع أن أهل العلم ذكروا أن من لم يكن مصرا على المعصية المعينة، فإن توبته تصح بالتوبة العامة؛ قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: الإنسان قد يستحضر ذنوبا فيتوب منها، وقد يتوب توبة مطلقة لا يستحضر معها ذنوبه، لكن إذا كانت نيته التوبة العامة فهي تتناول كل ما يراه ذنبا، لأن التوبة العامة تتضمن عزما عاما على فعل المأمور وترك المحظور، وكذلك تتضمن ندما عاما على كل محظور ... إذا عرف ذلك، فمن تاب توبة عامة كانت مقتضية لغفران الذنوب كلها وإن لم يستحضر أعيان الذنوب، إلا أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه لقوة إرادته إياه، أو لاعتقاده أنه حسن ليس قبيحا، فما كان لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التوبة بخلاف ما لو كان لو استحضره لتاب منه فإنه يدخل في عموم التوبة. انتهى.
وأما عن زوجك: فإن كان جاهلا بتحريم ما فعل وأن الشرع نهى عنه فلا يكفر بفعله أصلا، فإن حكم الشرع لا يلزم المكلف إلا بعد البلاغ، ولكنه يلزمه التعلم للتوحيد ونواقضه ولأحكام الشرع؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: من دعا غير الله وحج إلى غير الله؛ هو أيضا مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالما بأن هذا شرك محرم، كما أن كثيرا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم، وعندهم أصنام لهم صغار من لبد وغيره، وهم يتقربون إليها ويعظمونها، ولا يعلمون أن ذلك محرم في دين الإسلام، ويتقربون إلى النار أيضا، ولا يعلمون أن ذلك محرم؛ فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك، فهذا ضال وعمله الذي أشرك فيه باطل، لكن لا يستحق العقوبة حتى تقوم عليه الحجة؛ قال تعالى: فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [البقرة: 22]. انتهى.
والله أعلم.