السؤال
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"، فكيف نحكم بالظن والله يقول: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا ۚ}؟
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"، فكيف نحكم بالظن والله يقول: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا ۚ}؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين. ورواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني.
وليس في هذا الحديث الحكم بالظن، بل إن فيه تحذيرا من نسبة حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يظن أنه كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحقيقة الأمر أن في هذا الحديث وجوب التثبت في نسبة الحديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يكون ذلك إلا بعلم، وأن من شك في كذب الحديث لا يحل له التحديث به إلا أن يبين حاله.
قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه؛ فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ولم يبين حال روايته وضعه فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويدل عليه أيضا الحديث السابق: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". انتهى.
قال السخاوي في فتح المغيث: وكفى بهذه الجملة وعيدا شديدا في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كذب، فضلا عن أن يتحقق ذلك. انتهى.
وينبغي الحذر من الوسوسة وكثرة إيراد الشبهات أو الاطلاع عليها، فإن ذلك باب شر إن فتحه الإنسان فقد يستعصي عليه غلقه؛ قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام -رضي الله عنه- وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمته تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات -أو كما قال-، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ... انتهى.
والله أعلم.