خطأ الاحتجاج بالقدر السابق على ارتكاب المعاصي

0 167

السؤال

سؤال ممكن يكون غريبا ولكن: هل ربنا ظالم ويتمنى الشر لعبده؟
يعني أنا كنت دائما أصلي في المسجد، وأتوضأ لكل صلاة، وأهلي راضون عني، ومتفوقا في دراستي، وفجأة أصبحت أصلي كل فترة وأخرى، وأوقات كثيرة من غير وضوء، وأيضا أهلي يغضبون مني كثيرا، لماذا فعل ربنا هذا؟!
وحاولت أتوب أكثر من مرة وأصلي وأبكي وأدعو ربنا، وفي الآخر أرجع لما كنت عليه، لماذا فعل ربنا في هذا؟ لماذا؟!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالله تعالى منزه عن الظلم، فهو لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، قال تعالى: ولا يظلم ربك أحدا {الكهف:49}، وقال: وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين {الزخرف:76}. فأنت الذي تجني على نفسك وتظلمها بتعريضها لسخط الله وعقوبته وإيقاعها في هذه المهالك العظيمة، فقد خلق الله لك مشيئة وركب فيك قدرة واختيارا، وبمشيئتك واختيارك تقع أفعالك وأنت غير مجبر على فعل ما تفعله أو ترك ما تتركه، فلا يسوغ لك أن تحتج بقدر الله على مخالفاتك ومعاصيك فإنها واقعة بمشيئتك واختيارك كما ذكرنا، وهب أن أحدا اعتدى على عرضك أو مالك فإنك تراه ظالما جانيا مستحقا للعقوبة، ولو أنه احتج عليك بأن الله هو الذي قدر هذا لم تقبل منه حجته، ولبادرت بالاحتجاج عليه بأنه فعل ما فعل مختارا غير مجبر، فإذا لم تقبل أن يكون القدر السابق حجة لغيرك فكذا ليس لك أن تحتج به على معاصيك، وقبلك احتج المشركون على شركهم بالقدر السابق فلم يقبل الله تعالى منهم ولا كان ذلك عذرا لهم؛ قال تعالى: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون {الزخرف:20}، وقال تعالى: وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين {النحل:35}.

وانظر -هداك الله- إلى حال أبوي الجن والإنس، فأحدهما وهو إبليس احتج على معصيته بالقدر فباء باللعنة والخزي والخسارة، وأما أبو البشر آدم -عليه السلام- فلما عاد على نفسه باللائمة واتهم نفسه بالظلم ولم يتهم به ربه تعالى وتقدس استحق مغفرة الله ونال كرامته؛ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين {الأعراف:23}. فارجع باللوم على نفسك فهي الظالمة الجاهلة وهي التي أوقعتك فيما وقعت فيه، وبادر بتوبة نصوح تتدارك بها هذا التقصير وذلك التفريط، واعلم أنك تلم بكبائر مهلكات؛ فإن ترك الصلاة أو فعلها بغير طهارة من كبائر الذنوب، بل هو كفر عند بعض أهل العلم، فتب توبة نصوحا، وجاهد نفسك مجاهدة صادقة، واستعن بالله -عز وجل-؛ فإنه إذا اطلع على صدقك وإرادتك الخير وفقك وأعانك، ومهما يكن عندك من تقصير وخطأ فنفسك هي مصدره، فتعوذ بالله من شرها، وعد عليها باللوم، واعتن بإصلاحها وتهذيبها، نسأل الله أن يوفقك للتوبة النصوح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة