السؤال
في دلتا مصر الأرض طينية والمياه الجوفية على عمق متر أو أقل، فيعمد الناس إلى بناء مقابر فوق الأرض، ولغلاء ثمن الأرض وحال الناس من الفقر تكون المقبرة لأكثر من فرد وتبنى من دورين كل دور ارتفاعه متر عن الأرض، وتخصص جهة للرجال وأخرى للنساء، فهل هذا جائز للضرورة....؟ وما الحل إن كان غير جائز؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الطريقة في الدفن غير شرعية، ولا يجوز فعلها إلا للضرورة، فإن وجدت الضرورة قدرت بقدرها، وفعل ما يمكن لمواراة الميت بما يكتم رائحته ويحفظ جثته من نبش السباع ونحوها، ورطوبة الأرض ونبع الماء عند إعماق الحفر لا تتحقق بها الضرورة في أكثر الأحيان، حيث يمكن الاكتفاء بالقدر الذي لا ينبع به الماء، مع معالجة القبر بما يحول بين الميت وبين الماء... سئل الشيخ ابن باز ـ فتاوى نور على الدرب ـ هل يجوز بناء المقابر فوق سطح الأرض إذا كانت الأرض التي بها المقابر طينية أو زراعية؟ علما بأنه لو تم حفر حوالي نصف أو ربع المتر سوف يظهر الماء وليس هناك سوى هذا المكان في هذه البلدة؟ فأجاب: إذا كان هكذا، يجعل خشب أو ألواح، ليحول بين الماء وبين الميت ويدفن في الأرض، ولا بناء عليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، لكن يحفر بالقدر الذي لا يظهر الماء، ثم يجعل لوحا تحته أو أخشابا أو شبه ذلك تمنع الماء، ثم يدفن الميت ويوضع عليه اللبن، ويدفن بالتراب ولا يبنى عليه بناية. اهـ.
وبين الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب أيضا سنة اللحد في الدفن، ثم قال: احرصوا على أن تجدوا مقبرة لا يلحقها الماء حتى تقبروا موتاكم على الوجه المشروع الذي ينبغي، فإن لم تتمكنوا إلا من هذه الأرض، فإنه بإمكانكم أن تجعلوا شيئا من الأحجار يحول بين الميت وبين الماء، ثم بعد ذلك تضعون عليه أيضا أحجارا وتدفنونه، ويكون هذا أقرب شيء إلى المشروع. اهـ.
ولو بلغ الحد لأن يجعل الميت في ما يشبه التابوت، حماية له من الماء، فلا حرج في ذلك، قال الشيخ ابن باز فتاوى نور على الدرب: إذا كانت الأرض رخوة مائية ضعيفة، فلا مانع من جعله في تابوت، أو جعل ألواح تحته تمسكه، حتى لا تنهار الأرض به، أو حجارة أو نحو ذلك، لا بأس بذلك عند الحاجة، أما إن كانت الأرض قوية فلا حاجة إلى شيء من ذلك. اهـ.
وإذا ضاقت أرض المقابر، وحصلت ضرورة لدفن الميت مع من سبقوه من الموتى، فلا حرج، قال الشيخ ابن باز: لا يجوز أن يدفن مع الموتى السابقين إلا للضرورة، إذا كانت ضرورة قصوى: ما عندهم أراض، أو في خوف، أو أموات كثيرون... اهـ.
وإذا تعذر ذلك كله، وتحققت الضرورة للبناء بالفعل، فيباح من ذلك قدر ما تتطلبه الضرورة فحسب، فقد وجه إلى اللجنة الدائمة للإفتاء هذا السؤال: نسكن في مكان زراعي التربة لو حفرنا فيها عشرة سنتيمترات أصبحت الأرض طينة مبللة ولو ازداد العمق نبع الماء، فبنينا القبور فوق الأرض وندخل الميت فيها ونغلق عليه القبر، ويدفن في القبر الواحد أكثر من شخص، فلا نضع فوق المقبور أي شيء، فما الحكم؟ فأجابت: الواجب وضع الميت في قبر يصونه ويحفظه من الامتهان ويستره عن الأنظار، وبالطريقة الممكنة. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز: نحن في معظم قرى ومدن مصر نعاني من مشكلة ضيق المساحة في القبور، حيث إنها محددة في أماكن معلومة، ولا يجوز ترك مكانها، وخاصة في بلاد الدلتا، أي البلاد البعيدة عن الصحراء، مما اضطر الناس لبنائها وارتفاعها عن الأرض أكثر من المتر في بعض الأحيان، وذلك لدفن عدد من الموتى في كل قبر، فما حكم ذلك..؟ فأجاب:.. أما القبور: فالواجب ألا تبنى، وأن تحفر في الأرض وتعمق، هذا هو الواجب، لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ في صحيح مسلم أنه نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها... فالواجب على أهل الإسلام في مصر وغير مصر أن يحفروا القبور في الأرض، وأن يعمقوها إلى نصف القامة تقريبا، حتى لا تظهر رائحتها، وحتى لا تحفرها الكلاب ونحوها، فإذا كانت البلدة ليس فيها محل للحفر، لأنها صلبة حجرية، فلا حرج أن يدفن على ظهرها، ويحوط عليها لأجل حفظها عن الكلاب وغيرها، وصيانتها واجب، لأن الله يقول: فاتقوا الله ما استطعتم ـ ويقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ـ فالبناء حينئذ لحفظها لا لتعظيمها والغلو فيها، ولكن لحفظها عن ظهور الروائح الكريهة وعن امتهانها، وعن تناول السباع لها، فلا حرج بقدر الحاجة فقط والضرورة، أما مع القدرة على الحفر، فلا يجوز البناء، لا متر ولا غيره... لكن من لم يستطع ذلك، لأن الأرض لا يمكن حفرها، فإنه معذور بقدر الحاجة فقط. اهـ.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 64943 الإشارة إلى أنه لا مانع من الدفن فوق الأرض، إذا كان محل الحفر ينبع فيه الماء ولم يتيسر غيره، لأن نبوع الماء مما يتضرر منه الأموات.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 29974.
والله أعلم.