السؤال
أنا وأختي قريبات في العمر، نتشارك في كل شيء، ونحب بعضنا -والحمد لله-، ذات مرة تخاصمنا على شيء، وبدأت تعايرني أني أستعير منها أو أستخدم أغراضها بكثرة، وأكره ما علي المعايرة، وكنت في الغالب إذا حصل هذا الشيء أتجاهل أو أذكرها أنا أيضا أنها تستعير مني، وأقول لا بد أن تحصل هذه الأمور بين الأخوات، لكن في هذه المرة غضبت بشدة وحرقة، وحلفت أن لا أشاركها شيئا بعد اليوم، ودعوت على نفسي بأسوإ الدعاء لو أني فعلت، وفي الوقت مباشرة ندمت على ما فعلت، وأخذت أبكي بحرقة أشد على ما فعلت، ودعوت وتبت وكفرت بصيام ثلاثة أيام، وقلت ليس لأرجع وآخذ من أغراضها لكن حتى لو أني أخذت بدون علم أو نسيت. بعد التكفير هل إذا عدت وأخذت من أغراضها علي ذنب؟ مع العلم أني أتحاشى أن آخذ شيئا منها في كل شيء حتى لو كان إبرة أو خيطا، وأوسوس إن احتجت شيئا منها أتراجع حتى وإن كان شيئا هينا اشترته لمنفعة من في البيت جميعا (يعني لأغراض البيت) ما آخذ منه خوفا.
أرجو أن تفيدوني -جزاكم الله خيرا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولا أن المسلم لا يسوغ له الدعاء على نفسه أبدا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم. أخرجه مسلم.
وإذا كنت حلفت بالله أو صفة من صفاته أو بالقرآن أو بالمصحف ونحو ذلك -على ما ذكرت- فإن اليمين تنعقد، لكن حنثك فيها ليس بمحرم، ولا تأثمين به؛ إذ اليمين التي يجب البر بها ويحرم الحنث فيها: هي اليمين على فعل واجب أو ترك محرم فحسب؛ جاء في مطالب أولي النهى: (فمن حلف على فعل مكروه أو) حلف على (ترك مندوب، سن حنثه وكره بره) لما يترتب على بره من ترك المندوب قادرا (و) من حلف (على فعل مندوب أو ترك مكروه، كره حنثه، وسن بره) لما يترتب على بره من الثواب بفعل المندوب، وترك المكروه امتثالا.
(و) من حلف (على فعل واجب أو على ترك محرم، حرم حنثه) لما فيه من ترك الواجب أو فعل المحرم، (ووجب بره) لما مر (و) من حلف (على فعل محرم أو ترك واجب، وجب حنثه) لئلا يأثم بفعل المحرم أو ترك الواجب (وحرم بره لما سبق).
(ويخير) من حلف (في مباح) ليفعلنه أو لا يفعله بين حنثه وبره (وحفظها فيه أولى) من حنثه؛ لقوله تعالى: {واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89]. اهـ.
بل قد تكون يمينك مما يشرع الحنث فيه لمصلحة صلة رحم أختك، ودرء الشحناء بينكما، كما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير. متفق عليه.
وفي حديث أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله، آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله. متفق عليه. قال العراقي:فيه أن الحنث في اليمين أفضل من الإقامة عليها إذا كان فيه مصلحة. اهـ. من طرح التثريب.
وأما التكفير عن اليمين قبل الحنث: فهو جائز عند جمهور العلماء، كما سبق في الفتوى رقم: 17515، لكن التكفير بالصوم لا يجزئ إلا مع عدم القدرة على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة. وراجعي الفتوى رقم: 145443.
ثم إن أهل العلم قد اختلفوا فيمن فعل المحلوف عليه ناسيا، هل تلزمه كفارة أم لا؟ والراجح: مذهب الجمهور من عدم وجوب الكفارة حينئذ؛ جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحالف إن فعل المحلوف عليه ناسيا فلا حنث، إذا كانت اليمين بغير الطلاق، والعتاق، والجاهل عندهم كالناسي فلا يحنث بفعله. اهـ. وانظري الفتوى رقم: 133174.
وعلى كل حال؛ فإن كنت قد كفرت بالصيام لعدم قدرتك على ما سواه من خصال الكفارة، فقد انحلت يمينك بذلك، ولا تلزمك كفارة أخرى بعد ذلك في استعمال أغراض أختك، وأما إن كفرت بالصوم مع قدرتك على التكفير بغيره فإن يمينك لا تزال منعقدة، وعليه؛ فتلزمك كفارة يمين إن عدت إلى استعمال أغراضها عمدا، دون النسيان.
والله أعلم.