الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا صفة الكدرة ولونها في الفتوى رقم: 239434.
والكدرة لا تعد حيضا على ما نفتي به، إلا إن كانت في زمن العادة أو كانت متصلة بالدم، كما تقدم في الفتوى رقم: 134502.
وراجعي كذلك الفتوى رقم: 288871.
وبناء على ذلك؛ فإذا كانت الكدرة المذكورة قد نزلت عليك في غير زمن الحيض عادة, فإنها لا تعتبر حيضا، وهو الذي يظهر، لا سيما أنك ذكرت أن خروجها لم يكن مصحوبا بآلام الدورة على خلاف عادتك, ومن ثم فتكون عمرتك مجزئة.
أما إن كانت تلك الكدرة قد وقعت في الزمن المعتاد للحيض, فإنها تعتبر حيضا.
وعليه؛ فإن عمرتك غير صحيحة، فجمهور أهل العلم على أن الطواف لا يجزئ دون طهارة, ومن ثم؛ فمن طاف بغير طهارة فكمن لم يطف، لكن الطهارة لا تشترط للطواف عند الحنفية، وعلى رواية للحنابلة, وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية, كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 29645.
فعلى افتراض أنها نزلت في زمن العادة، فعلى مذهب الجمهور: يجب عليك الآن الكف عن جميع محظورات الإحرام، من تطيب، وقص شعر، وجماع، أو مقدماته... إلى آخرها، حتى ترجعي لمكة، ثم تأتي بطواف صحيح، ثم تسعي بعده، ثم تقصري من شعرك، وبذلك يحصل التحلل من العمرة.
وبخصوص ما أقدمت عليه من محظورات الإحرام قبل التحلل من هذه العمرة: فما كان منه من قبيل الإتلاف، كقص الشعر، وتقليم الأظافر، ففي كل جنس منه فدية واحدة، والفدية هي: شاة تذبح بمكة، وتوزع على المساكين هناك، أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصع من طعام على ستة مساكين، وما كان من قبيل الترفه، كاستعمال الطيب، فلا شيء فيه إذا كان جهلا، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 14023.
وإن حصل منك جماع جهلا، فلا تفسد عمرتك عند كثير من أهل العلم، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 15047.
والقول بعدم اشتراط الطهارة للطواف هو مذهب الحنفية، ورواية للحنابلة ـ كما سبق ـ وهو قول مرجوح عندنا، لكننا قد بينا في الفتوى رقم: 125010، أن الأخذ بالقول المرجوح، والفتوى به بعد وقوع الأمر، مما سوغه كثير من العلماء.
وعلى هذا القول؛ فعمرتك صحيحة, لكن يلزمك دم, أقله شاة تذبح في مكة, وتوزع على الفقراء من أهلها, وبالإمكان توكيل من ينوب عنك في ذلك, وراجعي الفتوى رقم: 203788.
والله أعلم.