الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعبد الله بن لهيعة قاضي مصر ومحدثها، وقد اختلفت كلمة أئمة الجرح والتعديل في قبول روايته وردها، ولكنه لم يجرح في عدالته، وقد أثنى عليه بعض كبار الحفاظ ورووا عنه، ففي ترجمته من التهذيب وغيره يقول الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع، وقال: حججت حججا لألقى ابن لهيعة.
وقال الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي داود عنه قال: ومن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه.
وكان ابن وهب يقول: حدثني والله الصادق البار عبد الله بن لهيعة وقال يعقوب بن سفيان: سمعت أحمد بن صالح وكان من خيار المتقنين يثني عليه.
وأحمد بن صالح مصري فهو من بلده فيقدم قوله على غيره، وتشدد أئمة آخرون في أمر ابن لهيعة كابن مهدي والقطان، فقد قال ابن مهدي: لا تحمل عنه قليلا ولا كثيرا، وتركه يحيى القطان، وأعدل الأقول في ابن لهيعة ما قاله الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح ابن المبارك وابن وهب والمقري. انتهى.
فإن سماع هؤلاء منه قديم أي قبل احتراق كتبه، وهذا القول هو الذي مال إليه الحافظ أبو أحمد ابن عدي في الكامل، حيث قال بعد أن سرد جملة من أحاديث ابن لهيعة قال: وهذا الذي ذكرت لابن لهيعة من حديثه وبينت جزءا من أجزاء كثيرة مما يرويه ابن لهيعة عن مشايخه، وحديثه حسن، لأنه يستبان عمن روى عنه، وهو ممن يكتب حديثه. أي يكتب في الشواهد والمتابعات، ويشبه هذا القول ما قاله الحافظ ابن حجر في التقريب حيث قال: صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما. انتهى.
ومما ينبغي التنبه له أن بعض الحفاظ قد ذهب إلى أن الإمام مالك رحمه الله كان يوثق ابن لهيعة.
قال ابن عدي في الكامل: وقد روى عنه -أي ابن لهيعة - الثقات الثوري وشعبة ومالك إلى أن قال: وأما حديث مالك فأخبرنا القاسم بن مهدي ثنا أبو مصعب ثنا مالك عن الثقة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان"، قال الشيخ هكذا ذكره أبو مصعب عن مالك عن الثقة عن عمرو بن شعيب وبعض أصحاب الموطأ يذكرون عن مالك قال: بلغني عن عمرو بن شعيب، ويقال إن مالكا سمع هذا الحديث من ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب ولم يسمه لضعفه، والحديث عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب مشهور. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب: وحكى ابن عبد البر أن الذي في الموطأ عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في العربان هو ابن لهيعة ويقال ابن وهب حدثه به عنه.
هذا ولا نعلم أن الشيخ الألباني رحمه الله وثق ابن لهيعة في غير رواية العبادلة عنه، فقد قال في سلسلة الأحاديث الصحيحة في المجلد الثاني في الصفحة الرابعة والعشرين منه: ابن لهيعة فيه كلام لا يخفى، والأحاديث التي نوردها في سلسلة الأحاديث الضعيفة من روايته أكثر من أن تحصر، بيد أن هذا الكلام فيه ليس على إطلاقه، فإن رواية العبادلة الثلاثة عنه صحيحة وهم عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وعبد الله بن يزيد المقرئ، فإنهم رووا عنه قبل احتراق كتبه.... إلى أن قال: ضعف ابن لهيعة إنما هو من سوء حفظه، فمثله يتقوى حديثه بمجيئه من وجه آخر ولو كان مثله في الضعف ما لم يشتد ضعفه. انتهى.
وأما الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فقد ذهب إلى توثيقه كما قال في تعليقاته على سنن الترمذي: وهو ثقة صحيح الحديث وقد تكلم فيه كثيرون بغير حجة من جهة حفظه، وقد تتبعنا كثيرا من حديثه، وتفهمنا كلام العلماء فيه فترجح لدينا أنه صحيح الحديث، وأن ما قد يكون في الرواية من الضعف إنما هو ممن فوقه أو ممن دونه، وقد يخطئ هو كما يخطئ كل عالم وكل راو. انتهى.
فهذا رأي الشيخ رحمه الله فيه، وعلم الجرح والتعديل علم يختلف فيه العلماء كاختلافهم في سائر الفروع الفقهية، كما نبه إلى ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرحه لعلل الترمذي الصغير، ونحن نميل إلى ما قاله جمهور الحفاظ من تصحيح حديث ابن لهيعة إن روى عنه العبادلة، وتضعيفه من غير طريقهم، مع صلاحيته للشواهد والمتابعات.
وأما عن ترجمة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فإنها موجودة في مجلة البيان العدد التاسع والثلاثون ذو القعدة 1411هـ مايو 1991م.
والله أعلم.