السؤال
استفسار عن التكفير وبعض الأفكار التي أعتقدها إذا كانت صحيحة أم لا:
أولا: عيد الفصح.
فرصة نتذكر أن الإسلام أجاز لأهل الكتاب ممارسة ديانتهم، وتحريم دمائهم، مع أنهم طعنوا بأصل الخلق الذي هو الوحدانية (أن الله واحد أحد) فكيف نجيز قتل من يطعن ببشر {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} أو حتى من يطعن بالصحابة أو من يختلف معنا برأي؟
يخرج علينا شيخ يدعي أنهم خوارج يجب قتلهم، بسبب اختلاف بالرأي، والآيات كثيرة التي تبين عظمة ادعائهم وغيرها! {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (90) أن دعوا للرحمن ولدا (91) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا (92).
- وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا
- ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا (سورة الكهف).
ثانيا: تكفير من يخالفنا أو يحاربنا حتى لو كان مسلما لا أعتقد أنه جائز، خاصة إذا كان الاختلاف دنيوي، وأن الإسلام للناس جميعا ليس لأحد، لو كان التكفير سهلا كان أسهل على عثمان بن عفان أن يستعمله، وآل البيت عندما تحاربوا مع معاوية، خصوصا أنه حديث عهد بالإسلام، كان بسهولة أن يكفروا بني أمية، لكن الإسلام للناس كافة، ودور الشيخ أو الواعظ هو إيصال رسالة ربنا.
يعني ممكن نتحارب ونظل مسلمين، مثلا: ليس علي وآل البيت كفارا، ولا معاوية وبني أمية؛ اختلفوا على أمور الدنيا وظلوا مسلمين!
أرجو أن تفيدوني إذا كان الكلام صحيحا.
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فدخول أهل الكتاب وغيرهم في ذمة المسلمين، وعيشهم تحت سلطانهم، وتركهم على دينهم يعتقدونه ويمارسون شعائره، لا يعنى السماح لهم بالمجاهرة بالطعن في دين المسلمين وكتابهم ورسولهم -صلى الله عليه وسلم-؛ قال ابن القيم في قوله تعالى: وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون {التوبة:12}،قال: أمر سبحانه بقتال من نكث يمينه؛ أي: عهده الذي عاهدنا عليه من الكف عن أذانا والطعن في ديننا، وجعل علة قتاله ذلك، وعطف الطعن في الدين على نكث العهد، وخصه بالذكر بيانا أنه من أقوى الأسباب الموجبة للقتال، ولهذا تغلظ على صاحبه العقوبة، وهذه كانت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه كان يهدر دماء من آذى الله ورسوله وطعن في الدين، ويمسك عن غيره ... اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الصارم المسلول): الساب إن كان مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم. وقد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك: إسحاق بن راهويه، وغيره. وإن كان ذميا فإنه يقتل أيضا، في مذهب مالك وأهل المدينة، وسيأتي حكاية ألفاظهم، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث ... والدلائل على انتقاض عهد الذمي بسب الله أو كتابه أو دينه أو رسوله ووجوب قتله وقتل المسلم إذا أتى ذلك: الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين، والاعتبار ... اهـ. ثم فصل ذلك.
وأما الحكم بكفر مسلم لمجرد الخلاف في الرأي أو لوقوع القتال معه: فلا يصح ولا يجوز؛ فقد قال الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } [الحجرات: 9]. فسماهم مؤمنين رغم قتال بعضهم بعضا، وبغي إحدى الطائفتين. وراجع في ذلك الفتويين: 13087، 251614.
ومن ذلك ما ذكره السائل مما حصل من القتال في عصر الصحابة -رضي الله عنهم-.
وقد سبق التعرض لضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، فراجع الفتويين: 721، 53835.
والله أعلم.