السؤال
ما حكم من ذهب إلى السعودية واعترف بذنبه ليقام عليه الحد؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن قارف ما يوجب حدا كشرب خمر أو زنى أو نحو ذلك لم يجب عليه رفع أمره إلى ولاة الأمر ليقام عليه الحد، فضلا عن أن يسافر إلى بلد آخر ليقام عليه الحد، بل يكفيه أن يستتر بستر الله، وأن يقبل عافية الله، وأن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى، وهذا هو الأفضل؛ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: ويؤخذ من قضيته -يعني قضية ماعز -رضي الله عنه-- أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى، ويستر نفسه، ولا يذكر ذلك لأحد، كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز، وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة: لو سترته بثوبك لكان خيرا لك. وبهذا جزم الشافعي -رضي الله عنه- فقال: أحب لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب. واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر. انتهى.
ولو ذهب إلى الحاكم فاعترف على نفسه بما يوجب الحد لم يكن عاصيا، بل يجوز له ذلك وإن كان تاركا للأولى، وقد اعترف ماعز والغامدية على نفسيهما بما يوجب الحد، فأقامه عليهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد نقل ابن حزم الاتفاق على أن كلا من الستر على النفس والإقرار بالحد جائز، وإنما الخلاف في أيهما أفضل، قال -رحمه الله-: جميع الأمة متفقون على أن الستر مباح، وأن الاعتراف مباح، إنما اختلفوا في الأفضل، ولم يقل أحد من أهل الإسلام: إن المعترف بما عمل مما يوجب الحد عاص لله تعالى في اعترافه. ولا قال أحد من أهل الإسلام قط: إن الساتر على نفسه ما أصاب من حد عاص لله تعالى. انتهى.
وتراجع الفتوى رقم: 93102.
وإنما قلنا إن الاستتار أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها؛ فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله؛ فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. رواه الحاكم، والبيهقي، من حديث ابن عمر، وصححه الألباني.
قال ابن قاسم -رحمه الله-: فعلى الشخص إذا فعل ما يوجب حدا الستر على نفسه والتوبة، فهو أفضل من حد أو تعزير، فإن خالف واعترف عند الحاكم أقامه عليه. انتهى.
والله أعلم.