تفسير: وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ...

0 198

السؤال

طلب نبي الله يعقوب -عليه السلام- من بنيه ألا يدخلوا من باب واحد خشية الحسد ولئلا تصيبهم العين، فكيف يكون ذلك مع علمه بأن قضاء الله نافذ لا مرد له؟
أوضحوا لنا الأمر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أهل العلم اختلفوا في سبب أمر يعقوب بنيه بعدم الدخول من باب واحد، وقد ذكر كثير من أهل العلم أن من أسباب ذلك خوفه عليهم من العين، وليس في هذا ما يشكل؛ لأنه يعتبر من أخذه -عليه السلام- بالأسباب مع اتكاله على الله تعالى وعلمه بأن قضاءه نافذ، فقد أمر أبناءه بالدخول من أبواب متفرقة، وأخبر أنه لا يغني ذلك عنهم من الله شيئا، كما قال سبحانه على لسان يعقوب: وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء {يوسف:67}. قال الطبري في تفسيره: قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه لما أرادوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطعام: يا بني لا تدخلوا مصر من طريق واحد, وادخلوا من أبواب متفرقة. وذكر أنه قال ذلك لهم لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيئة، فخاف عليهم العين إذا دخلوا جماعة من طريق واحد، وهم ولد رجل واحد, فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها ...

وقوله: (وما أغني عنكم من الله من شيء)، يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه عليكم من شيء صغير ولا كبير؛ لأن قضاءه نافذ في خلقه، (إن الحكم إلا لله)، يقول: ما القضاء والحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء، فإنه يحكم في خلقه بما يشاء, فينفذ فيهم حكمه, ويقضي فيهم، ولا يرد قضاؤه، (عليه توكلت)، يقول: على الله توكلت فوثقت به فيكم وفي حفظكم علي، حتى يردكم إلي وأنتم سالمون معافون, لا على دخولكم مصر إذا دخلتموها من أبواب متفرقة، (وعليه فليتوكل المتوكلون)، يقول: وإلى الله فليفوض أمورهم المفوضون. اهـ.

وقال السعدي في تفسيره: ثم لما أرسله معهم وصاهم، إذا هم قدموا مصر، أن { لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة }؛ وذلك أنه خاف عليهم العين، لكثرتهم وبهاء منظرهم، لكونهم أبناء رجل واحد، وهذا سبب. { و } إلا فـ { ما أغني عنكم من الله من شيء } فالمقدر لا بد أن يكون، { إن الحكم إلا لله } أي: القضاء قضاؤه، والأمر أمره، فما قضاه وحكم به لا بد أن يقع، { عليه توكلت } أي: اعتمدت على الله، لا على ما وصيتكم به من السبب، { وعليه فليتوكل المتوكلون } فإن بالتوكل يحصل كل مطلوب، ويندفع كل مرهوب. اهـ.
وقال البغوي( وقال ) لهم يعقوب لما أرادوا الخروج من عنده ( يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) وذلك أنه خاف عليهم العين; لأنهم كانوا أعطوا جمالا وقوة وامتداد قامة، وكانوا ولد رجل واحد، فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين، فإن العين حق، وجاء في الأثر: "إن العين تدخل الرجل القبر، والجمل القدر".

وعن إبراهيم النخعي: أنه قال ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرق. والأول أصح.

ثم قال: ( وما أغني عنكم من الله من شيء ) معناه: إن كان الله قضى فيكم قضاء فيصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرقين، فإن المقدور كائن والحذر لا ينفع من القدر، ( إن الحكم ) ما الحكم ( إلا لله ) هذا تفويض يعقوب أموره إلى الله ( عليه توكلت ) اعتمدت ( وعليه فليتوكل المتوكلون ). اهـ.

وقال الماوردي في النكت والعيون: (وفيما خاف عليهم أن يدخلوا من باب واحد قولان:

أحدهما: أنه خاف عليهم العين؛ لأنهم كانوا ذوي صور وجمال. قاله ابن عباس ومجاهد.

الثاني: أنه خاف عليهم الملك أن يرى عددهم وقوتهم فيبطش بهم حسدا أو حذرا. قاله بعض المتأخرين). اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات