الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن في السؤال ما ليس واضحا، ولكن الله تعالى يعجل ما يشاء، ويؤخر ما يشاء لعباده، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم، ولا راد لما قضى، فكل شيء بقدر، وحكمة، يدبرها الله سبحانه وتعالى، وقد كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقد قسم الله تعالى لكل عبد رزقه، وأجله، وكل ما يتعلق بحياته على هاته الأرض، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، وأجلها؛ كما ورد بذلك الحديث.
وما يحصل من تأخر زواج امرأة ما، قدر من أقدار الله التي يجريها على عباده، بحكمته البالغة، ورحمته الواسعة، فهو ـ سبحانه ـ أرحم بنا من آبائنا، وأمهاتنا، وأعلم بمصالحنا من أنفسنا، قال الله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة:216}.
قال ابن القيم: والعبد لجهله بمصالح نفسه، وجهله بكرم ربه، وحكمته، ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه، وبين ما ذخر له، بل هو مولع بحب العاجل، وإن كان دنيئا، وبقلة الرغبة في الآجل، وإن كان عليا. اهـ من الفوائد.
ومن أخطر أسباب الحرمان من الرزق: ارتكاب المعاصي، والتقصير في الطاعات، كما قال الله سبحانه: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. (الشورى:30).
وفي مسند أبي يعلى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصابكم من مرض، أو عقوبة، أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم. قال عنه حسين سليم أسد: إسناده ضعيف.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليحرم الرزق، بالذنب يصيبه. رواه ابن ماجه، وصححه السيوطي.
ولهذا ننصح في علاج المسألة بالإكثار من الأعمال الصالحة، والتوبة، والاستغفار، والإكثار من الدعاء في أوقات الإجابة، وحمل النفس على العفة، والاستقامة، والبعد عن المعاصي، والذنوب.
ولا غضاضه على المرأة في أن تعرض نفسها على من يرتضى دينه، وخلقه، ويمكن أن يتم ذلك بواسطة إحدى محارمه، ويمكن أن يكون بواسطة أبيها هي، أو أخيها، كما عرض عمر بنته حفصة على أبي بكر، وعثمان، وقد عرض بعض نساء السلف نفوسهن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس -رضي الله عنه- وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها، واسوأتاه، قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضت عليه نفسها. وقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن عمر بن الخطاب، عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ثم عرضها بعده على أبي بكر -رضي الله عنه-، وذلك حين تأيمت من خنيس بن حذافة السهمي -رضي الله عنه-. وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى -عليه الصلاة والسلام-؛ كما في قوله تعالى: قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين {القصص:27}.
وينبغي أن لا يمنع الفقر المرأة من زواج من ترتضي أخلاقه، فإن الله تعهد بالعون، والغنى للمتزوج طلبا للعفة، وامتثالا لأمر الشرع، فقد قال الله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم {النور:32}. وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم {النور:32}.
وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله {النور:32}.
وقد نقل ابن كثير الأثرين السابقين عنهما، وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
وأما سؤالك الثاني، فنرجو إرساله بشكل مستقل؛ لتتم الإجابة عنه لاحقا -إن شاء الله-، وحاولي صياغته بشكل يتيح فهمه.
والله أعلم.