السؤال
إذا دعا أحد على أحد أو حسبن عليه، وهو يعتقد أنه ظالمه، لكن هذا الشخص لم يظلمه، فهل دعاؤه يستجاب؟
إذا دعا أحد على أحد أو حسبن عليه، وهو يعتقد أنه ظالمه، لكن هذا الشخص لم يظلمه، فهل دعاؤه يستجاب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الداعي لا يخلو إما أن يكون مفرطا في الدعاء على هذا الرجل؛ بحيث اعتقد بمجرد الوهم والظن الكاذب أنه ظالم له، فهنا يأثم بدعائه عليه، وإما أن يكون غير مفرط في الدعاء عليه؛ بحيث كان معذورا في اجتهاده أن هذا الرجل ظلمه، فحينئذ خطؤه معفو عنه.
وفي كلا الحالتين الأصل أنه لا يستجاب للداعي بما دعا على من لم يظلمه، ولكن قد يستجاب له في بعض الأحيان؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في اقتضاء الصراط المستقيم: ومثل أن يدعو على غيره دعاء منهيا عنه، كدعاء بلعم بن باعور على قوم موسى -عليه السلام-، وهذا قد يبتلى به كثير من العباد أرباب القلوب، فإنه قد يغلب على أحدهم ما يجده من حب أو بغض لأشخاص، فيدعو لأقوام، وعلى أقوام بما لا يصلح، فيستجاب له، ويستحق العقوبة على ذلك الدعاء، كما يستحقها على سائر الذنوب، فإن لم يحصل له ما يمحوه؛ من توبة، أو حسنات ماحية، أو شفاعة غيره، أو غير ذلك، وإلا فقد يعاقب، إما بأن يسلب ما كان عنده من ذوق طعم الإيمان ووجود حلاوته، فينزل عن درجته، وإما أن يسلب عمل الإيمان، فيصير فاسقا، وإما بأن يسلب أصل الإيمان، فيصير كافرا منافقا، أو غير منافق.
وما أكثر ما يبتلى بمثل هذا المتأخرون من أرباب الأحوال القلبية، بسبب عدم فقههم في أحوال قلوبهم، وعدم معرفة شريعة الله في أعمال القلوب، وربما غلب على أحدهم حال قلبه، حتى لا يمكنه صرفه عما توجه إليه، فيبقى ما يخرج منه مثل السهم الخارج من القوس.
وهذه الغلبة إنما تقع غالبا بسبب التقصير في الأعمال المشروعة، التي تحفظ حال القلب، فيؤاخذ على ذلك، وقد تقع بسبب اجتهاد يخطئ صاحبه، فتقع معفوا عنها. انتهى.
وفي بريقة محمودية للخادمي الحنفي -رحمه الله-: دعاء أحد على أحد بشيء من المكاره كالطرد من رحمة الله تعالى، فإن استحق المدعو عليه أصابه، فيستجاب في حقه، وإلا فيستجاب في حق الداعي، فيصيبه، فيلزمه أن من لا يستحق الدعاء شرعا لا يضره ألبتة، بل يضر الداعي، لكن ظاهر بعض الآثار، بل النصوص: أنه قد يستجاب كقصة بلعم في حق موسى -على نبينا وعليه الصلاة والسلام-، فلا يبعد أن القضية ليست بكلية، بل في قوة الجزئية أو أكثرية. انتهى.
وبخصوص قولك: "أو حسبن عليه"؛ فإن كان معناه أنه قال له: "حسبي الله عليك" مثلا, فهذا ليس بدعاء, بل هو كلام يفيد أن الشخص المظلوم يستعين بالله، ويلتجئ إلى الله, ويتوكل عليه؛ ليكفيه من ظلم الظالم؛ جاء في فيض القدير للمناوي -رحمه الله-: (حسبي الله ونعم الوكيل) أي: النطق بهذا اللفظ مع اعتقاد معناه بالقلب والإخلاص وقوة الرجاء (أمان لكل خائف) أليس الله بكاف عبده، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، فمتى اعتقد العبد أن لا فاعل إلا الله، وأن كل موجود؛ من خلق، ورزق، وعطاء ومنع، وحياة وموت، وفقر وغنى، هو المنفرد به، اكتفى به عن كل موجود، ولم ينظر إلى غيره، بل كان منه خوفه ورجاؤه، وبه ثقته، وعليه اتكاله، وكفى بالله وكيلا، وهذا قاله في غزوة الخندق لما نزل {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم}. انتهى.
والله أعلم .