مسائل حول سحر النبي صلى الله عليه وسلم

0 2431

السؤال

علمت أن قصة سحر الرسول -صلى الله عليه وسلم- واردة في الصحيحين، ولدي عدة أسئلة حول هذه القصة:
1- هل سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد اكتمال نزول القرآن أم قبله؟
2- إذا كان قد سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل اكتمال نزول القرآن، ألم يؤثر هذا السحر على الوحي؟ فبعض من يقولون بعدم صحة هذا الحديث يقولون بأنه من المستحيل أن يسحر بدنه ويبقى عقله سليما!
3- قرأت أن من سحر الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو لبيد بن الأعصم، وهو من يهود بني زريق، والمعلوم أنه لم يكن في المدينة قبيلة يهودية تدعى بنو زريق، بل إنهم كانوا من أنصار المدينة، ولهم مسجد هناك، فما هو الصحيح؟
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سحر بعد رجوعه من الحديبية سنة سبع، وهذا يبين أن السحر كان قبل اكتمال نزول القرآن؛ قال الحافظ -رحمه الله-: وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر، أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل، قال: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية في ذي الحجة، ودخل المحرم من سنة سبع، جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفا في بني زريق، وكان ساحرا، فقالوا له: يا أبا الأعصم، أنت أسحرنا، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا، ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه، فجعلوا له ثلاثة دنانير ... انتهى.
وأما سؤالك "ألم يؤثر هذا السحر على الوحي؟": فقد أجاب عنه العلماء بأجوبة ذكرها النووي وغيره، وقد نقلناها في الفتوى رقم: 24556 من كلام النووي -رحمه الله-؛ فراجعيها.

وإتماما للفائدة ننقل كلاما للقاضي عياض في( إكمال المعلم) يدفع فيه هذه الشبهة؛ حيث قال -رحمه الله-: ظهر لي في تأويل هذا الحديث ما هو أجلى وأبعد من مطاعن الملحدين، مع استفادته من نفس الحديث، وخروجه عن حد الاحتمال والاستنباط إلى النص والبيان، وذلك أن هذا الحديث روي عن ابن المسيب، وعروة، وفيه عنهما: "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم [يهود بنى زريق] فجعلوه في بئر حتى كاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينكر [بصره]، ثم دله الله عليه، واستخرجه من البئر".

وروى نحوه الواقدي عن عبد الرحمن بن كعب وعمر [بن الحكم]، وذكر عن عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر: حبس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عائشة سنة. وذكره عبد الرزاق، وزاد: "حتى أنكر بصره".

وروى محمد بن سعد عن ابن عباس: مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحبس عن النساء، والطعام، والشراب، فهبط عليه ملكان، وذكر القصة.

فقد استبان من معانى هذه الروايات أن السحر إنما يسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله، وقلبه، واعتقاده، ويكون معنى قوله في الحديث: "حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن"، ويروى: "يخيل إليه" أي: يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن وزوال ما أنكر قبل من حاله، فإذا دنى منهن أخذته أخذة السحر، فلم يأتهن، ولا يتمكن من ذلك، كما يعترى من وخذ وسحر عن ذلك. انتهى.
وأما استشكالك عن كون لبيد بن الأعصم من يهود بني زريق، فنقول: إنه كان حليفا لبني زريق، ولهذا نسب إليهم، ولم يكن على دينهم، ويبين ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال -رحمه الله-: قوله: سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل من بني زريق، بزاي قبل الراء، مصغر، قوله: يقال له لبيد، بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة، ابن الأعصم بوزن أحمر بمهملتين، ووقع في رواية عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عند مسلم: سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- يهودي من يهود بني زريق. ووقع في رواية ابن عيينة الآتية قريبا: رجل من بني زريق حليف اليهود، وكان منافقا، ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر، ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره. وقال ابن الجوزي: هذا يدل على أنه كان أسلم نفاقا، وهو واضح. وقد حكى عياض في الشفاء أنه كان أسلم، ويحتمل أن يكون قيل له يهودي لكونه كان من حلفائهم لا أنه كان على دينهم. وبنو زريق بطن من الأنصار مشهور من الخزرج، وكان بين كثير من الأنصار وبين كثير من اليهود قبل الإسلام حلف وإخاء وود، فلما جاء الإسلام ودخل الأنصار فيه تبرءوا منهم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة