السؤال
عن الحسن أن قوما أتوا عمر بن الخطاب فقالوا: يا أمير المؤمنين إن لنا إماما شابا إذا صلى لا يقوم من مجلسه حتى يتغنى بقصيدة قال عمر: فامضوا بنا إليه، فإنا إن دعوناه يظن بنا أنا قد غضضنا أمره، فقاموا حتى أتوه، فقرعوا عليه، فخرج الشاب، فقال: يا أمير المؤمنين ما الذي جاء بك؟ قال: بلغني عنك أمر ساءني، قال: فإني أعتبك يا أمير المؤمنين، ما الذي بلغك؟ قال: بلغني أنك تتغنى، قال: فإنها موعظة أعظ بها نفسي، فقال عمر: قل، إن كان كلاما حسنا قلت معك، وإن يك قبيحا نهيتك عنه، فقال:
وفؤادي كلما عاتبته***عاد في اللذات يبغي نصبي
لا أراه الدهر إلا لاهيا***في تماديه فقد برح بي
يا قرين السوء ما هذا الصبا***فني العمر كذا باللعب
وشباب بان مني ومضى***قبل أن أقضي منه أربي
ما أرجي بعده إلا الفنا***طبق الشيب على مطلبي
ويح نفسي لا أراها أبدا***في جميل لا ولا في أدب
نفس لا كنت ولا كان الهوى***اتق الله وخافي وارهبي
فبكى عمر، ثم قال هكذا، فليغن كل من غنى، قال عمر وأنا أقول:
نفس لا كنت ولا كان الهوى***رابضي الموت وخافي وارهبي
ما هي صحة هذه الرواية التي ذكرت في كتاب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال.
المؤلف: علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي البرهان فوري (المتوفى: 975هـ)
وجزاكم الله خيرا على جهودكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة لم نجد أحدا من أهل العلم قد حكم عليها بصحة أو ضعف، وقد أخرجها قوام السنة الأصبهاني في الترغيب والترهيب، وابن عساكر في تاريخ دمشق بسنديهما إلى مزيدة بن قعنب الرهاوي قال: كنا عند عمر بن الخطاب...
ولم نجد من ترجم لمزيدة الرهاوي، ولا ذكر في من سمع من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فالإسناد على هذا ضعيف لجهالة مزيدة.
وأخرجها أبو الفرج الثقفي الأصبهاني في فوائده، ومحمد بن عمرو البختري في التاسع من فوائده (وكلاهما من المخطوطات المرفوعة على جوامع الكلم) - وقد عزاها إلى الثقفي ابن عبد الهادي المبرد في محض الصواب - والعلائي في الأربعين المغنية، من طريق: عمر بن أحمد أبي حفص السمسار،ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر، قال: ذكر أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن خولة، ثنا القاسم بن محمد الديمرتي أبو محمد، ثنا أبو بكر أحمد بن بطة بن إسحاق، ثنا محمد بن إسحاق بن ماهان التنوخي، ثنا أحمد بن ثابت الخزاز، ثنا الحسين بن الخليل، ثنا الخضر بن محمد، عن المعافى بن عمران، عن الربيع، عن الحسن، عن عمر...
والحسين بن خليل، لم نجد من ترجم له، ولكن وقع عند العلائي: الحسين ابن الخليل - كذا في الأصل، وفي نسخة قديمة من غير الرواية: الحسن بن عليل. انتهى.
والحسن بن عليل، قال فيه الخطيب في تاريخ بغداد: وكان صاحب أدب وأخبار، وكان صدوقا، واسم أبيه علي، ولقبه عليل، وقال فيه ياقوت في معجم الأدباء: وكان أحد الرواة الثقات الذين لا مطعن عليهم في الصدق. انتهى.
وأحمد بن ثابت الخزاز، لم نجد من ترجم له.
والقصة أوردها المتقي الهندي في كنز العمال، عن الحسن عن عمر،- دون ذكر باقي السند - وهذا الإسناد فيه انقطاع فالحسن لم يسمع من عمر؛ قال المزي في التهذيب: رأى على بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة، و لم يصح له سماع من أحد منهم. انتهى.
وقال العلائي في جامع التحصيل: وهو مكثر من الإرسال أيضا ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ ونشأ بوادي القرى ورأى عثمان وعليا وطلحة والزبير رضي الله عنهم وحضر يوم الدار وهو ابن أربع عشرة سنة فروايته عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مرسلة بلا شك وكذلك عن علي رضي الله عنه أيضا. انتهى.
وقد عزاها المتقي الهندي إلى الدلائل لابن السمعاني، ولم نقف على هذا الكتاب، ولا علق على الأثر محققا كنز العمال: صفوت السقا، وبكري الحياني، وأورد القصة الشاطبي في الاعتصام فقال: حكى أبو الحسن القرافي الصوفي عن الحسن، فذكره، ولم يعلق عليها محققه سليم الهلالي.
والخلاصة أن الإسنادين المذكورين لا يكفيان للحكم بصحتها، ولم نجد من نص على صحة القصة أو نكارتها كما قلنا، وظاهر استدلال الشاطبي بها - وسكوت الهلالي - أنه ليس فيها نكارة في المعنى، فيمكن الاستئناس بها.
تنبيه: في رواية المذكورين للقصة اختلاف يسير في الألفاظ لا يغير المعنى.
والله أعلم.