الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمسابقات بعوض أنواع: منها الجائز، ومنها الممنوع، كما بينا في الفتوى رقم: 26712.
وقد قصر كثير من أهل العلم جواز أخذ العوض فيها على ما ورد في الحديث الذي رواه أبو داود، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر.
وألحق بعضهم بذلك العلوم الشرعية؛ لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله، وهذا القول المفتى به عندنا، وقد قال الشيخ ابن عثيمين مفصلا في أنواع المسابقات وأحكامها: المسابقة على عوض محرمة، إلا فيما استثني شرعا، وهذا مبين بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر ـ أي لا عوض على المسابقة إلا في هذه الثلاثة: النصل، والخف، والحافر، أما النصل: فهو السهام يعني المراماة بالبندق، ونحوها، والخف: الإبل، والحافر: الخيل، وإنما استثنيت هذه الثلاثة؛ لأن التمرن عليها، والمسابقة عليها مما يعين على الجهاد في سبيل الله.
وعلى هذا؛ فنقول المسابقة على ما يختص بالحرب من مركوب، أو غيره بعوض جائزة قياسا على الإبل، والخيل، والسهام، وعدى ذلك بعض العلماء إلى المسابقة في العلوم الشرعية، قالوا: لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله.
وعلى هذا؛ فالمسابقة على الأمور الشرعية جائزة بعوض، وممن اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
وبناء على ذلك؛ فالمسابقة بعوض على الأقدام لا تحل، والمسابقة بعوض على المصارعة لا تحل، والمسابقة بعوض على جودة الخط، أو الإملاء لا تحل؛ لعدم دخول ذلك في النص لفظا، أو معنى، وهناك مسابقة ثالثة وهي المسابقة على المحرم، كالنرد، والشطرنج، ونحوها، فإنها حرام بعوض، أو بغير عوض.
وعلى هذا؛ فتكون المسابقة ثلاثة أقسام: القسم الأول: حرام، والثاني: حلال بغير عوض، حرام بعوض، والثالثة: حلال بعوض، وبغير عوض، فالثلاثة التي ذكرناها النصل، والخف، والحافر المسابقة فيها حلال بعوض، وبغير عوض، والمسابقة على الأقدام، ونحوها مما هو حلال المسابقة عليها بعوض حرام، وبغير عوض حلال، والمسابقة على الشيء المحرم حرام بكل حال. اهـ.
وبهذا يعلم أن أخذ العوض في مسابقات الأكل، أو الشرب، أو أنواع اللعب من مصارعة، وملاكمة، وغيرها لا يجوز؛ لأنه لا يشملها الحديث لا لفظا، ولا معنى، جاء في البيان في مذهب الإمام الشافعي: وأما المسابقة على ما ليس آلة للحرب، كضرب كرة الصولجان، ورفع الأحجار، واللعب بالخاتم، وما أشبه ذلك.. فلا يصح بعوض؛ لأنه لا منفعة في ذلك للحرب. اهـ.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: أما ما لا يستعان به في الحروب، كاللعب بكرة القدم، والملاكمة، والمصارعة، فلا يجوز إن كان بجوائز للفائز. اهـ.
وأما مسابقات الطب، والهندسة، ونحو ذلك مما فيه نفع يعود على الأمة: فإنه ملحق بالعلوم الشرعية، فيجوز عندنا بالضوابط التي بيناها في الفتوى رقم: 32493.
وانظر أيضا الفتويين رقم: 11604، ورقم: 213628.
وأما ما أشرت إليه بقولك: وهناك فتوى لكم رقمها: 3817، تقول بأن الكوبونات إن كانت من الصورة الثانية فهي مباحة... إلخ.
فجوابه: أن المسألة هنا ليست من باب المسابقة؛ لأن الكوبونات ليست هي المقصودة، بل المقصود شراء السلعة، والكوبونات تابعة لها، وهي هدية، وتشجيع من البائع فقط، ومن ثم؛ فلو ثبت أن المشتري إنما قصد بشرائه الحصول على الكوبون، أو رفع البائع ثمن السلعة لأجل لكوبون، فإنها حينئذ تأخذ معنى المراهنة، والمقامرة فتصبح حراما، كما أوضحنا في الفتوى التي أشرت إليها، ويقول الشيخ العثيمين مبينا هذا المعنى: هذا نوع من البيع نخاطب به البائع، والمشتري، فنقول للبائع: هل أنت ترفع سعر السلعة من أجل هذه الجائزة أم لا؟ فإن كنت ترفع السعر فإنه لا يجوز؛ لأنه إذا رفع السعر واشترى الناس منه صاروا إما غارمين، وإما غانمين، إما رابحين، وإما خاسرين، فإذا كانت هذه السلعة في السوق ـ مثلا ـ قيمتها عشرة فجعلها باثني عشر من أجل الجائزة، فهذا لا يجوز؛ لأن المشتري باثني عشر إما أن يخسر الزائد على العشرة، وإما أن يربح أضعافا مضاعفة بالجائزة، فيكون هذا من باب الميسر، والقمار المحرم، فإذا قال البائع: أنا أبيع بسعر الناس، لا أزيد ولا أنقص، فله أن يضع تلك الجوائز تشجيعا للناس على الشراء منه، ثم نتجه إلى المشتري فنقول له: هل اشتريت هذه السلعة لحاجتك إليها، وأنك كنت ستشتريها، سواء كانت هناك جائزة أم لا، أم إنك اشتريتها من أجل الجائزة فقط؟ فإن قال: الأول، قلنا: لا بأس أن تشتري من هذا، أو من هذا، لأن السعر ما دام أنه كسعر السوق وأنت ستشتري هذه السلعة لحاجتك، فحينئذ تكون إما غانما، أو سالما، ففي هذه الحالة لا بأس أن تشتري من صاحب الجوائز، وأما إذا قال: أنا أشتري ولا أريد السلعة، وإنما أشتري لأجل أن أحصل على الجائزة، قلنا: هذا من إضاعة المال؛ لأنك لا تدري أتصيب الجائزة أم لا تصيبها. اهـ.
والله أعلم.