الانتفاع بالأموال المكتسبة من السحر بعد التوبة

0 123

السؤال

أنا كنت أمارس السحر بالكفر، والشرك، والآن تبت، فما حكم الأموال المكتسبة عن طريق الكفر؟ علما أني محتاج إلى المال، فأنا فقير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن السحر حرام، وهو من كبائر الذنوب، بل إن منه ما هو كفر؛ جاء في فتح الباري لابن حجر نقلا عن النووي: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة؛ فإن كان فيه قول، أو فعل يقتضي الكفر، فهو كفر، وإلا فلا. اهـ.

وإذا تاب الساحر توبة صحيحة، فإن توبته مقبولة في الباطن، وتنفعه في الآخرة بلا خلاف، وإنما الخلاف هل تنفعه في الظاهر فيسقط عنه الحد أم لا؟ قال ابن قدامة في المغني: فصل: وهل يستتاب الساحر؟ فيه روايتان:

إحداهما: لا يستتاب. وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحرا، وفي الحديث الذي رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن الساحرة سألت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون، هل لها من توبة؟ فما أفتاها أحد. ولأن السحر معنى في قلبه، لا يزول بالتوبة، فيشبه من لم يتب.

والرواية الثانية: يستتاب، فإن تاب قبلت توبته؛ لأنه ليس بأعظم من الشرك، والمشرك يستتاب، ومعرفته السحر لا تمنع قبول توبته، فإن الله تعالى قبل توبة سحرة فرعون، وجعلهم من أوليائه في ساعة، ولأن الساحر لو كان كافرا فأسلم صح إسلامه، وتوبته، فإذا صحت التوبة منهما صحت من أحدهما، كالكفر، ولأن الكفر، والقتل إنما هو بعمله بالسحر، لا بعلمه، بدليل الساحر إذا أسلم، والعمل به يمكن التوبة منه، وكذلك اعتقاد ما يكفر باعتقاده، يمكن التوبة منه، كالشرك.

وهاتان الروايتان في ثبوت حكم التوبة في الدنيا، من سقوط القتل، ونحوه، فأما فيما بينه وبين الله تعالى، وسقوط عقوبة الدار الآخرة عنه: فتصح؛ فإن الله تعالى لم يسد باب التوبة عن أحد من خلقه، ومن تاب إلى الله قبل توبته، لا نعلم في هذا خلافا. اهـ.

وعليه؛ فإن توبتك مقبولة -إن شاء الله-، لكن عليك أن تتخلص من جميع الأموال التي كسبتها من السحر، وذلك بصرفها على مصالح المسلمين العامة، أو إنفاقها على الفقراء والمحتاجين.

وإذا كنت فقيرا، فإن لك أن تأخذ منها ما تنفق منه على نفسك، وعيالك بحسب الحاجة؛ قال النووي في المجموع نقلا عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام، والتوبة منه: وله أن يتصدق به على نفسه، وعياله إذا كان فقيرا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه. وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة