العاصي بين الستر عليه والتبليغ عنه

0 123

السؤال

ما رأيكم في نشر مقطع سيئ بالواتساب للتبليغ عن صاحبه؟
يقول: حتى يراه المسؤولون، ويقبضوا عليه. ويقول: إذا سكتنا يعني شجعنا الفسق والفاسقين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل فيمن اطلع على المنكر أن يقوم بالإنكار على فاعله مع الستر عليه وعدم التشهير به، إن لم يكن من المجاهرين؛ لما ورد في قصة ماعز -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل من أسلم يقال له: هزال: يا هزال، لو سترته بردائك لكان خيرا لك. رواه مالك في الموطأ مرسلا، والنسائي في السنن الكبرى، والطبراني في الكبير.

وقال أحد السلف: من نصح أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فقد ذمه وشانه. اهـ.

وقال بعض الحكماء:

تعهدني بنصحك في انفرادي     وجنبني النصيحة في الجماعة.

فإن النصح بين الناس نوع     من التوبيخ لا أرضى استماعه.

وقال المواق في شرح المختصر: قال ابن رشد: الشهادة على ما مضى من الحدود التي لا يتعلق بها حق لمخلوق كالزنا وشرب الخمر لا يلزم القيام بها، ويستحب ستره إلا في المشتهر، ولا تبطل بترك القيام وإن كان مشتهرا اتفاقا.

وقال ابن العربي في مسالكه: المشهود به إن كان حقا لله ولا يستدام فيه التحريم كالزنا وشرب الخمور. زاد أصبغ: والسرقة. فترك الشهادة له جائزة، ولو علم بذلك الإمام؛ فقد قال ابن القاسم: يكتمها ولا يشهد.

وقال ابن القاسم في أربعة شهدوا على رجل بالزنا، فتعلقوا به، ورفعوا للسلطان، وشهدوا عليه: لا تقبل شهادتهم، ويحدون؛ لأنهم قذفة.

ابن رشد: إنما لم تجز شهادتهم لأن تعلقهم به ورفعهم إياه لا يجب عليهم، بل هو مكروه لهم؛ لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره.

قال صلى الله عليه وسلم: من أصاب من مثل هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله. قال في التمهيد: في هذا الحديث دليل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، وواجب ذلك أيضا في غيره.

وقال ابن العربي: إذا رأيته على معصية فعظه فيما بينك وبينه ولا تفضحه. اهـ.

وفي المغني لابن قدامة (9/ 77): فإن من عنده شهادة على حد، فالمستحب أن لا يقيمها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من ستر عورة مسلم في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة. وتجوز إقامتها؛ لقول الله تعالى: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء: 15]. ولأن الذين شهدوا بالحد في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، لم تنكر عليهم شهادتهم به.

ويستحب للإمام وغيره التعريض بالوقوف عن الشهادة؛ بدليل قول عمر لزياد: إني لأرى رجلا أرجو أن لا يفضح الله على يديه رجلا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ولأن تركها أفضل، فلم يكن بأس بدلالته على الفضل.

وقد روي أن رجلا سأل عقبة بن عامر، فقال: إن لي جيرانا يشربون الخمر، أفأرفعهم إلى السلطان؟ فقال عقبة بن عامر: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من ستر عورة مسلم، ستره الله في الدنيا والآخرة. اهـ.

وأما من كان مجاهرا بالمعصية: فإنه لا يستحب ستره، بل يشرع إعلام من يمكنه حجزه عن المعصية من أولي الأمر؛ فقد قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ... فأما المعروف بذلك: فيستحب أن لا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله ... اهـ.

وفي أسنى المطالب في شرح روض الطالب: وتباح الغيبة للتحذير من فسق أو ابتداع خاطب ومخطوبة ووال بأن يبين لمن له عليه ولاية ... وتباح الغيبة لفاسق -أي: لأجل فسقه- عند من يمنعه، كأن يقول له: فلان يعمل كذا فازجره عنه ... اهـ.

وفي الموسوعة الفقهية: إذا كان المشهر به يتصف بما يقال عنه، ولكنه لا يجاهر به، ولا يقع به ضرر على غيره. فالتشهير به حرام أيضا؛ لأنه يعتبر من الغيبة التي نهى الله -سبحانه وتعالى- عنها في قوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا}. وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته...

ومن المقرر شرعا: أن الستر على المسلم واجب لمن ليس معروفا بالأذى والفساد؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: من ستر مسلما ستره الله -عز وجل- يوم القيامة. قال في شرح مسلم: وهذا الستر في غير المشتهرين ... وأما بالنسبة لمن يجاهر بالمعصية: فيجوز ذكر من يتجاهر بفسقه؛ لأن المجاهر بالفسق لا يستنكف أن يذكر به ...

وفي الإكمال في شرح حديث مسلم: من ستر مسلما ستره الله قال: وهذا الستر في غير المشتهرين.

وقال الخلال: أخبرني حرب: سمعت أحمد يقول: إذا كان الرجل معلنا بفسقه فليست له غيبة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة