السؤال
لماذا أنتم تكرهوننا نحن الأشاعرة؟! وتقولون لنا إننا لسنا من أهل السنة، مع أن الأشاعرة والماتريدية هم الذين أسسوا مذهب أهل السنة!أم أنه من لم يؤمن بحركة ابن عبد الوهاب لا يعتبر سنيا؟!
لماذا أنتم تكرهوننا نحن الأشاعرة؟! وتقولون لنا إننا لسنا من أهل السنة، مع أن الأشاعرة والماتريدية هم الذين أسسوا مذهب أهل السنة!أم أنه من لم يؤمن بحركة ابن عبد الوهاب لا يعتبر سنيا؟!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما هي الجهة التي يوجه لها السائل كلامه؟!
وعلى أية حال؛ فالحكم لشخص أو لطائفة بالانتساب إلى السنة وأهلها، إنما يكون باعتبار موافقته لمذهب السلف الصالح، من الصحابة الكرام، وتابعيهم بإحسان.
والحقيقة أن المذاهب القائمة أو المتأثرة بعلم الكلام والفلسفة، قد خالفت مذهب السلف في مسائل ليست بالهينة، ومن جملة هؤلاء: الأشاعرة، والماتريدية، وإن كانوا أفضل وأقرب إلى السنة من غيرهم من أهل الكلام. وقد سبق لنا التعريف بأهل السنة، والأشاعرة والماتريدية، والرد على من قال: إن الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة، وذلك في الفتويين: 179883، 38987.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 253570.
كما سبق لنا بيان الرؤية الشرعية فيمن اعتقد من العلماء العقيدة الأشعرية، وذلك في الفتوى رقم: 117496.
وأما موقفنا من الأشاعرة فيمكن تلخيصه في أمرين:
- الأول: حبهم والثناء عليهم في ما وافقوا فيه مذهب السلف، والإشادة بمواقفهم من خصوم السنة؛ كالمعتزلة، والخوارج، والروافض، ونحوهم، فضلا عن أعداء الملة من الملاحدة والزنادقة.
- والثاني: مخالفتهم في ما خالفوا فيه مذهب السلف، ورد ذلك وبيان خطئه؛ نصحا لهم وللأمة من ورائهم.
وعلى ذلك سار أئمة السنة وعلماؤها مع مخالفيهم على مر العصور، ومن أشهر هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يعتبره الأشاعرة من ألد خصومهم؛ قال الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن المحمود في رسالته العلمية للدكتوراه (موقف ابن تيمية من الأشاعرة): وشيخ الإسلام من خلال هذا المنهج المتكامل سار على طريقة متوازنة، فالأشاعرة الذين رد عليهم طويلا لم تمنعه هذه الملاحظات من أن يقول عنهم: إنهم من أهل السنة، وإنهم ليسوا كفارا باتفاق المسلمين، كما لم تمنعه من التنويه بجهودهم العظيمة في الدفاع عن الإسلام، والرد على خصومه الحاقدين عليه من الفلاسفة، والباطنية، والرافضة، والمعتزلة، وغيرهم، وبالمقابل: فاعترافه بهذه الجهود لم ينسه أن هؤلاء بشر يصيبون ويخطئون، وأن ما وقعوا فيه من مخالفة لعقيدة السلف لا يجوز السكوت عنها، بل يجب بيان الحق للناس والرد على من خالفه، ولو كان من أهل الفضل والعمل الصالح. اهـ.
ثم قال: يعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية من علماء السلف الذين انتقدوا مذهب الأشاعرة، وقد ألف في ذلك كتبا مطولة، وكان معنيا ببيان تناقضاتهم ومخالفتهم لمذهب السلف، كما كان معنيا ببيان الأصول الفاسدة -وهي أصول فلسفية واعتزالية- التي أدت بهم إلى هذا الانحراف، ولذلك صار في عرف كثير من الباحثين تصنيفه على أنه خصم لدود للأشاعرة، وفات هؤلاء أنه مع خصومته لهم وردوده القاسية عليهم لم ينس إنصافهم، كما لم ينس ما قاموا به من جهود عظيمة في كبح جماح كثير من الملاحدة والرافضة والمعتزلة وغيرهم.
والعجيب أن شيخ الإسلام لما أنصف خصومه لم ينصفوه، بل رموه بعظائم الأمور، ولفقوا عليه كثيرا من التهم الباطلة، فكم من محنة جرت له في حياته بسببهم حتى لقي ربه وهو في السجن! أما بعد وفاته فليست حاله وحال كتبه أحسن منها في حياته، والكل سيقفون بين يدي حكم عدل لا يظلم مثقال ذرة. اهـ.
وقد سار الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب على خطى شيخ الإسلام ابن تيمية، وتخرج بكتبه، فناله من عداء الأشاعرة -وخاصة المتصوفة منهم- أذى كبير وبهتان عظيم! ودعوة الشيخ دعوة سنية إصلاحية، أخرج الله بها طوائف من الناس من الظلمات إلى النور، ولكن الحق لا يوافق أهواء أكثر الناس، ولهذا ينصبون لها العداء، ويلصقون بها التهم، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين: 38579، 65955. وفيهما يجد السائل بيانا لمبادئ هذه الدعوة وأصولها المأخوذة من الشرع الحنيف.
والله أعلم.