السؤال
أعاني من مشكلة في الوضوء والصلاة وهي خروج ريح مني لا يسمع صوته ولا تحس رائحته مع تأكدي من أنه ريح خارج من سبيلي وهو دائما يخرج مني عندما أقوم إلى الوضوء للصلاة، ولا يفارقني أبدا، وهذا ما يجعل إتمام الوضوء والصلاة أمرا شاقا جدا، إذ إنه لا يكاد ينقطع أبدا، وسبب خروجه هو خوفي الدائم من نقض الوضوء لذلك ﻻ يأتيني إﻻ أثناء تلك الفترة، وأنا ﻻ أعاني أبدا من انفلات الريح، ومهما حاولت نسيان أمره لا أفلح في ذلك، أصبح أمره مقلقا جدا، إذ أحيانا أقضي أكثر من ساعة في الوضوء، ولم أعد قادرا على طول القنوت وﻻ على أداء النفل وأحيانا على أداء الصلوات في وقتها، ولن ينفعني الانتظار حتى يذهب عني، لأنه في الأساس لا يأتيني إﻻ في الصلاة وقد أدى هذا إلى مشاكل نفسية لي حتى أقول: لو أن اﻹسلام لم يجعل الريح ناقضا للوضوء لصلى العبد مرتاحا مطمئن البال متى شاء، وما يزعجني أكثر من ذلك أنني رغم إكثاري من الدعاء في أوقات تستجاب فيها الأدعية كدبر الصلوات وما بين اﻷذان واﻹقامة.... لم يستجب لي مع أن ما دعوت به شيء يسير جدا، وﻻ أدري هل أفعل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل بأﻻ ينصرف حتى سيمع صوتا أو يجد ريحا وأن اليقين من خروجه هو الصوت والرائحة؟ أم أعصيه طاعة للعلماء الذين قالوا إنه يجب الوضوء لمجرد خروج أي شيء؟ فماذا أفعل بشأن الوضوء ولم لم يستجب الله لدعائي السهل البسيط؟.
وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دمت لا تعاني من سلس الريح، ولا يأتيك ما ذكرت إلا أثناء الوضوء أو الصلاة، فلا ريب أنه محض وسواس من الشيطان ليشغلك عن العبادة ويوقعك في الحرج والمشقة، ومن ثم فصل صلاتك بشكل طبيعي ولا تلتفت لهذا الأمر أبدا ولا تعره أي اهتمام، واعمل على تجاهله التام، فمع تكرار تجاهله ومداومة الإعراض عنه سيختفي تدريجيا ـ إن شاء الله تعالى ـ وواصل في الدعاء ولا تيأس من فضل الله، فإن الإجابة قد تتأخر، لكن الله قطعا سيستجيب دعاءك إن توفرت شروط إجابته وانتفت الموانع، لأنه سبحانه لا يخلف الميعاد، وقد وعد الداعي بالإجابة، فقال: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم {غافر:60}.
وقال سبحانه: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة:186}.
ولكن هذه الاستجابة قد تتم بإعطاء العبد ما يريده الآن، وقد يختار الله تعالى له ـ رحمة به ومراعاة للأصلح له ـ غير ذلك من أنواع الإجابة، فقد يدفع عنه البلاء، وقد يدخر له في الآخرة، فهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح العباد، وأرحم بهم من أنفسهم وأهلهم، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر. رواه أحمد والحاكم، صححه الألباني.
وعلى هذا، فإنه ينبغي أن تحسن الظن بالله وتحذر من إساءة الظن به، ثم تعلم أنك لست أنت من تختار الكيفية التي يستجاب لك بها، فالذي يختار ذلك هو الله سبحانه، وهو الأعلم بمصلحتك، وبما يليق بك ويناسبك، والخير كل الخير فيما يختاره لك ولو كان ظاهر الأمر بخلاف ذلك، قال سبحانه: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة:216}.
قال في آية أخرى: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا {الإسراء:11}.
يقول الرازي في تفسيره: أقول: يحتمل أن يكون المراد: أن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره وضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه عجولا مغترا بظواهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 119608، حول آداب الدعاء وشروطه وأسباب إجابته.
هذا، وننبه إلى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ـ المقصود منه حصول العلم اليقيني بخروج الريح، وليس ذلك مرتبطا بالسماع أو الشم، كما فهمت، قال النووي في شرح هذا الحديث: وقوله صلى الله عليه وسلم: حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ـ معناه: يعلم وجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين. اهـ.
والله أعلم.