هل يجزئ في كفارة اليمين تقديم وجبة غداء فقط؟

0 388

السؤال

أنا عملت كفارة يمين إطعام 10 مساكين، وقدمت أرزا ولحما، لكن الأرز كان بمقدار طبق، يعني ربع كيلو، أو أقل، فهل يجوز أم أكرر الإطعام بـ 750 غرام أرز؟ مع العلم أنه غالبا سيكون الإطعام مشبعا للأفراد.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فلا بد أولا من بيان خلاف العلماء في القدر الواجب في كفارة اليمين:

 فمنهم من ذهب إلى أنه لا يجزئ أن يغدي الفقير، أو يعشيه، بل لا بد من تمليكه القدر الواجب في الكفارة، وهو مد عند بعض العلماء، كالشافعية، ونصف صاع من غير البر، أو مد منه عند الحنابلة

ومنهم من رأى جواز إطعام الفقير، ولم يشترط تمليكه القدر الواجب، وأكثر هؤلاء القائلين بهذا القول رأوا أنه لا بد من أن يطعم الفقير وجبتين، بأن يغديه، ويعشيه، فلو غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه على هذا القول، قال القرطبي: قال مالك: إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه. وقال الشافعي: لا يجوز أن يطعمهم جملة واحدة؛ لأنهم يختلفون في الأكل، ولكن يعطي كل مسكين مدا. وروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: لا يجزئ إطعام العشرة وجبة واحدة، يعني غداء دون عشاء، أو عشاء دون غداء، حتى يغديهم ويعشيهم، قال أبو عمر: وهو قول أئمة الفتوى بالأمصار. انتهى.

فمن رأى أن الواجب هو تمليك الفقير مقدارا معينا من الطعام مدا، كما يقوله الشافعية، ونصف صاع من غير البر، أو مدا منه كما يقوله الحنابلة، فعلى قوله لا بد من إخراج الكفارة على هذا الوجه، فيجب عليك تكميل إعطاء المقدار الواجب لعشرة مساكين، ومن يرى أنه يجزئ إطعام المسكين وجبتين، فيجزئ عنده أن تطعمي هؤلاء العشرة وجبة أخرى سوى التي أطعمتهم إياها.

ويرى شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن الواجب هو إشباع المساكين، ولو وجبة واحدة، ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين فما فعلته مجزئ على هذا القول، قال في الإنصاف: قوله: (وإن أخرج القيمة، أو غدى المساكين أو عشاهم: لم يجزئه)، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب... وعنه يجزئه إذا كان قدر الواجب، واختار الشيخ تقي الدين -رحمه الله- الإجزاء، ولم يعتبر القدر الواجب، وهو ظاهر نقل أبي داود، وغيره، فإنه قال: "أشبعهم" قال: "ما أطعمهم؟" قال: "خبزا ولحما إن قدرت، أو من أوسط طعامكم. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: يتبين أن ما يجب بذله في هذه الأمور ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:

القسم الأول: ما قدر فيه المدفوع بقطع النظر عن الدافع، وعن المدفوع إليه، مثل زكاة الفطر، فالمقدر فيها صاع، سواء أعطيتها واحدا أو جماعة، أو أعطاها جماعة لواحد، أو أعطاها واحد لواحد، أو أعطاها جماعة لجماعة؛ لأنه مقدر فيها ما يجب دفعه، وهذا بالاتفاق فيما أعلم.

القسم الثاني: ما قدر فيه المدفوع والمدفوع إليه، كما هي الحال في فدية الأذى، وهي فدية حلق الرأس في الإحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ: أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع وعلى هذا فلا بد أن نخرج نصف صاع لكل واحد من الستة المساكين.

القسم الثالث: ما قدر فيه الآخذ المعطى دون المدفوع، مثل: كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان، {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة} [المائدة: 89].

وبناء على ذلك نقول للمكفر فيها: أطعم مسكينا ما شئت حتى ولو كان مدا من بر.

ويجوز في هذا القسم أن يغدي المساكين أو يعشيهم؛ لأن الله ذكر الإطعام، ولم يذكر مقداره فمتى حصل الإطعام بأي صفة كانت أجزأ.

وقال أيضا: فالصواب في هذه المسألة: أنه إذا غداهم أو عشاهم أجزأه؛ لأن الله عز وجل قال: {فإطعام ستين مسكينا} ولم يذكر قدرا، ولم يذكر جنسا، فما يسمى إطعاما فإنه يجزئ، وبناء على ذلك فإذا غداهم أو عشاهم أجزأه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ويدل له أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما كبر وعجز عن صيام رمضان، صار في آخره يدعو ثلاثين مسكينا، ويطعمهم خبزا وأدما عن الصيام مع أن الله قال: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] وهذا تفسير صحابي لإطعام المسكين بفعله. انتهى.

والحاصل أن ما فعلته مجزئ على قول شيخ الإسلام، ومن وافقه، ولا حرج عليك في العمل بهذا القول، ولو أطعمت هؤلاء المساكين وجبة أخرى خروجا من خلاف من يشترط ذلك في الإطعام كان ذلك حسنا، ولو ملكت هؤلاء المساكين، أو غيرهم القدر الواجب خروجا من خلاف من يشترط التمليك فهو حسن أيضا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة