السؤال
هل أجمع العلماء أو اتفقوا على حالات معينة أو مسائل من الممكن أن يعين فيها شخص بالكفر بدون إقامة حجة؟ فلا إعذار ولا إقامة حجة في تلك المسائل؟ وهل الذي يعرض عن وصول الحجة له ويتمادى في أفعاله يظل معذورا؟ أي تريد إقامتها عليه لتوصلها له ولتتحقق من انتفاء الموانع واجتماع الشروط في حقه، وهو أصلا لا يسمح أن تقيم عليه شيئا! هل يظل مثل هذا معذورا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فان من المسائل التي يحكم بكفر صاحبها من دون إقامة للحجة عليه: مسألة السب، فإن من سب الله تعالى أو سب النبي صلى الله عليه وسلم يحكم بكفره، ولا يستثنى من ذلك إلا المكره، فإنه لا يكفر ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان، ففي الحديث عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان قال: إن عادوا فعد قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي
ومن الأدلة على كفر الساب قوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم {التوبة:65-66}.
وقال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه الصارم المسلول 3 / 1017: فصل فيمن سب الله تعالى.. فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا سبة له... اهـ
وقال أيضا: قال القاضي عياض: جميع من سب النبي أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب... إلى أن قال: وكذلك من لعنه أو تمنى مضرة له أو دعا عليه أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عيب في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور، أو عيره بشيء مما يجري من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوار من البشرية الجائزة والمعهودة لديه، هذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن أصحابه وهلم جرا. اهـ
وقال خليل المالكي في المختصر: وإن سب نبيا أو ملكا, أو عرض, أو لعنه, أو عابه, أو قذفه, أو استخف بحقه, أو غير صفته, أو ألحق به نقصا؛ وإن في بدنه, أو خصلته, أو غض من مرتبته, أو وفور علمه, أو زهده, أو أضاف له ما لا يجوز عليه, أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم, قتل, ولم يستتب حدا إلا أن يسلم الكافر وإن ظهر أنه لم يرد ذمه, لجهل, أو سكر, أو تهور... اهـ
وقال عليش في منح الجليل: قال عياض: إن كان القائل لما قاله في جهته صلى الله عليه وسلم غير قاصد السب والازدراء ولا معتقدا له وتكلم في حقه صلى الله عليه وسلم بكلمة الكفر من لعنه أو سبه أو تكذيبه, وظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمه ولم يقصد سبه إما لجهالة حملته على ما قاله أو ضجر أو سكر اضطره إليه أو قلة مراقبته وضبطه للسانه وعجرفته وتهوره في كلامه, فحكم هذا الوجه حكم الأول القتل دون توقيف. اهـ
ونكتفي بجواب سؤالك الأول، ونرحب بالباقي في رسالة أخرى، التزاما منا بنظام الموقع، من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل عن الأول منها فحسب.
والله أعلم.