السؤال
هل الدين يعقد الناس فعلا؟ أم ماذا؟ لماذا هناك أسئلة كثيرة في فتاواكم تتعلق بالوسواس، والهموم؟ لماذا أشعر أن الدين معقد؟ لماذا لا يكون الدين أكثر يسرا؟
هل الدين يعقد الناس فعلا؟ أم ماذا؟ لماذا هناك أسئلة كثيرة في فتاواكم تتعلق بالوسواس، والهموم؟ لماذا أشعر أن الدين معقد؟ لماذا لا يكون الدين أكثر يسرا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فدين الله يسر، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الدين يسر. وشريعتنا -بحمد الله- شريعة حنيفية سهلة سمحة، كما قال صلى الله عليه وسلم: بعثت بالحنيفية السمحة. رواه أحمد، وغيره، وقد رفع الله عنا بمنه الآصار، والأغلال، كما قال تعالى: ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا {البقرة:286}، وقال الله في جوابها: قد فعلت، أخرجه مسلم، وقال تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج {الحج:78}، وشواهد يسر هذه الشريعة المباركة التي أكرمنا الله بها، ورفع بها الحرج عن المكلفين، وإتيانها بمصالح دنياهم وآخرتهم أكثر بكثير من أن تتسع لها هذه الفتوى المبنية على الاختصار، قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: إن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين يسرا، فقال الله عز وجل في كتابه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة:185]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الدين يسر)، وقال صلى الله عليه وسلم وهو يبعث البعوث للدعوة إلى الله: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، فيسروا ولا تعسروا)، وهذه القاعدة العامة في الدين الإسلامي كل شرائع الإسلام تشهد لها، فأصل الشرائع يسيرة سهلة، ثم إذا طرأ ما يوجب التيسير تيسرت، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ عمران بن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب)، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة:183]. وفي أثناء الآيات قال: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة:185]، وفي الحج قال الله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} [البقرة:196] يعني: فليحلقه، وعليه {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة:196]، والقاعدة العامة: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286]، وقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]، كلها تعتبر طريقا يجب على المسلم أن يسير عليه: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16]. انتهى.
وتفصيل هذه القاعدة يطول جدا، فإذا تبين لك هذا الأصل علمت أن الدين لا يأتي الناس بالعقد، وإنما يرميهم بها الشيطان، وأنفسهم الأمارة بالسوء، وجهلهم بالشرع، وقواعده، ومقاصده، وإلا فمن عرف الشريعة على حقيقتها لم يقع في هذا الحرج، وهذا العناء، وقد حذر أهل العلم من الوسوسة، وبينوا ضررها على دين العبد ودنياه، كما ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 51601، والفتوى رقم: 134196.
والناس إنما يقعون في هذه الوساوس، وتلك التعقيدات بسبب مخالفتهم ما أرشدهم إليه أهل العلم، ودلوهم عليه مما يتوافق مع يسر الشريعة، ورفعها الحرج عن المكلفين، فأي لوم يقع على الدين نفسه إذا كان هو في نفسه يسرا، ورحمة، وحكمة، ومصلحة، وكان الناس بمخالفتهم له يقعون في تلك التشديدات، والتعقيدات؟ بل من عرف دين الله على وجهه، وعمل به على ما ينبغي لم يحصل له شيء من هذه العقد، فلا تلق تبعة جهل الناس، وتنطعهم على الشرع الحنيف في نفسه، الآتي بمصالح العباد في المعاش، والمعاد، فالحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، وهدانا إليه.
والله أعلم.