السؤال
هل يلقى المرء ربه عند موته أم أنه لا يرى الله إلا إذا دخل الجنة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد دلت الأدلة على أن المؤمنين يلقون ربهم بعد موتهم، ومن ذلك قول الله تعالى: واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين [البقرة:223]. وقوله تعالى: من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم [العنكبوت:5]، وقوله تعالى: فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف:110]، وقوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون [البقرة:46]، وقوله تعالى: تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما [الأحزاب:44]. وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبين الله ترجمان، ثم ينظرفلا يرى شيئا قدامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة. وفي رواية للبخاري: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه. وله أيضا: وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولن له: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم. وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل ألم أكرمك ,أسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. الحديث. وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه... قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه. وقد دلت هذه الأدلة على أن اللقاء متضمن لرؤية الله تعالى، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة، بعد السلوك والمسير، وقالوا: إن لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى واحتجوا بآيات اللقاء على من أنكر رؤية الله في الآخرة من الجهمية، كالمعتزلة وغيرهم. انتهى. وظاهر هذه الأدلة يدل على أن الكفار يلقون ربهم ويرونه يوم القيامة، كما هو قول طائفة من السلف، ويدل عليه أيضا قول الله تعالى: يا أيها الأنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه* فأما من أوتي كتابه بيمينه* فسوف يحاسب حسابا يسيرا* وينقلب إلى أهله مسرورا* وأما من أوتي كتابه وراء ظهره* فسوف يدعو ثبورا* ويصلى سعيرا [الانشقاق]. لكن رؤية الكفار له لا تتضمن كرامة لهم ولا نعيما، بل يعقبها الحجب والحرمان، كما قال الله تعالى: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [المطففين:15]. قال شيخ الإسلام: وقوله: " لمحجوبون" يشعر بأنهم عاينوا ثم حجبوا، ودليل ذلك قوله: إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فعلم أن الحجب كان يومئذ، فيشعر بأنه يختص بذلك اليوم، وذلك إنما هو في الحجب بعد الرؤية، فأما المنع الدائم من الرؤية فلا يزال في الدنيا والآخرة. انتهى من مجموع الفتاوى 6/466. فالمؤمن يحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، والكافر يكره لقاء الله، ويكره الله لقاءه، والجزاء من جنس العمل. وأكمل اللقاء وأتمه إنما يكون بعد دخول المؤمنين للجنة، ورؤيتهم ربهم الكريم الرحيم، فما أعطوا نعيما أعظم من نظرهم إلى الله، كما صحت بذلك الأحاديث وأجمع عليه أهل السنة. والحاصل أن الإنسان -المؤمن والكافر- يلقى ربه يوم القيامة، وينفرد المؤمن برؤية ربه في الجنة. والله أعلم.