السؤال
من حلفت مرات كثيرة، وفي سنوات متفاوتة؛ حتى إنها لا تذكر كم مرة، حلفت أن لا تفشي أسرار قريبات لها، وأخبرت، علما أن الأسرار لا تحمل أضرارا كبيرة، ولا حتى صغيرة، وهي تائبة إلى الله، وعاهدت نفسها أن تترك هذه العادة السيئة، فما حكم ذلك؟ وهل عليها صيام؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأيمان التي حنثت فيها تلزمك عن كل يمين منها كفارة عند جمهور العلماء، ما دامت أيمانا متعددة على أمور شتى؛ فقد جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء فيما يجب بالحنث في الحلف بأيمان متعددة على أمور شتى نحو أن يقول: والله لا أدخل دار فلان، والله لا أكلم فلانا، ففعل ذلك كله، على قولين:
القول الأول: أنه يجب على الحالف لكل يمين كفارة، وإليه ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو ظاهر كلام الخرقي، ورواية المروزي عن أحمد.
القول الثاني: أنه يجب على الحالف كفارة واحدة، وبه قال أحمد في رواية ابن منصور. قال القاضي: وهي الصحيحة، وهو قول محمد من الحنفية.
وقد استدل القائلون بتعدد الكفارات بأنهن أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتكفر إحداها بكفارة الأخرى، كما لو كفر عن إحداها قبل الحنث في الأخرى، وكالأيمان المختلفة الكفارة، وبهذا فارق الأيمان على شيء واحد، فإنه متى حنث في إحداها كان حانثا في الأخرى، فإن كان الحنث واحدا كانت الكفارة واحدة، وها هنا تعدد الحنث، فتعددت الكفارات. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 160779.
ولا يؤثر في لزوم الحنث في هذه الأيمان كون الإخلال بها لا يضر من حلفت لهن بعدم الإخبار عن أسرارهن.
وأحكام كفارة اليمين قد بيناها في الفتوى رقم: 26595، وغيرها من الفتاوى، وهي على التخيير بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجزت عنها جميعا انتقلت إلى الأمر الرابع وهو الصيام، ولا يجزئك البدء بالصيام ما دمت قادرة على واحد من تلك الأنواع الثلاثة.
وإذا جهلت عدد الأيمان التي تلزمك كفاراتها، فلك أن تأخذي بالأقل، فإن شككت -مثلا- هل عليك خمس كفارات أو ست؟ فعليك أن تكفري عن خمس؛ لأن الأصل عدم لزوم الكفارة، وهو الذي رجحه العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في فتاوى نور على الدرب، حيث قال: إذا شك الإنسان فيما عليه من واجب القضاء، فإنه يأخذ بالأقل، فإذا شكت المرأة أو الرجل هل عليه قضاء ثلاثة أيام أو أربعة؟ فإنه يأخذ بالأقل؛ لأن الأقل متيقن، وما زاد مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة، ولكن مع ذلك؛ الأحوط: أن يقضي هذا اليوم الذي شك فيه؛ لأنه إن كان واجبا عليه فقد حصلت براءة ذمته بيقين، وإن كان غير واجب فهو تطوع، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. انتهى.
ويؤيده ما جاء في الموسوعة الفقهية في موضوع الشك في اليمين: إما أن يكون الشك في أصل اليمين هل وقعت أو لا؟ كشكه في وقوع الحلف، أو الحلف والحنث؛ فلا شيء على الشاك في هذه الصورة؛ لأن الأصل براءة الذمة، واليقين لا يزول بالشك. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 224551.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 53697، 71626.
والله أعلم.