السؤال
تجارة الذهب بواسطة الهاتف، أو بواسطة طرق الاتصال المختلفة، دون اللقاء بين البائع والمشتري، على أن يتم الدفع بواسطة البنك، أو أية طريقة أخرى، علما أن الثقة بين البائع والمشتري هي الضمان لحقوقهما، أو لوجود حسابات معلقة بين الطرفين، يقومان بتصفيتها كل شهرين مثلا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الشرط الأساسي في جواز بيع الذهب بغيره من الفضة، أو ما يقوم مقامها من العملات المتداولة اليوم هو حصول التقابض من المتبايعين، أو وكيليهما قبل التفرق من مجلس العقد، والدليل هو ما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي المنهال حيث قال: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن الصرف، فقالا: كنا تاجرين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فقال: إن كان يدا بيد، فلا بأس، وإن كان نساء، فلا يصلح. ورواه مسلم بلفظ: ما كان يدا بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا. والنساء والنسيئة واحد، وهو التأخير.
وما جاء أيضا في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلا سواء بسواء، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل، فقال: يدا بيد، فقال: هكذا سمعت...
وهذا -أعني اشتراط التقابض في مجلس العقد في بيع الذهب، أو شرائه بالفضة، ونحوها-، يكاد يكون معلوما من الدين بالضرورة.
وبما أن الرضا من المتبايعين هو الأساس في إبرام العقود، فإن العلماء المعاصرين جعلوا إبرام العقود بوسائل الاتصال الحديثة -كالتليفون، والتلكس، ونحوهما- صحيحا؛ بدليل جواز التعاقد بالرسالة، والكتابة، مع أن كلا من المتعاقدين بعيد عن الآخر، لا يراه، ولا يسمع صوته، بل إن انعقاد العقود بالوسائل الحديثة أولى بالجواز من انعقاده بالرسالة، والكتابة؛ لأن كلا من المتعاقدين عبر التليفون، ونحوه، يخاطب الآخر مباشرة، ويماكسه، ويستطيع أن يستوضحه أكثر، وهذا أمر معروف.
ومما تقدم يعلم؛ أنه لا حرج على تاجر الذهب أن يشتري الذهب، أو يبيعه عبر التليفون؛ بشرط أن يحصل قبض كل من الثمن والمثمن خلال المكالمة، إذا أمكن ذلك عمليا، كأن يكون لكل من المتعاقدين وكيل حاضر عند الثاني وقت إبرام عقد البيع، ولا يشترط في المتبايعين اللقاء، ولا قرب أحدهما من الآخر، قال صاحب المبسوط: ولسنا نعني بالمجلس موضع جلوسهما، بل المعتبر وجود القبض قبل أن يفترقا، حتى لو قاما، أو مشيا فرسخا، ثم تقابضا قبل أن يفترقا، أي: يفارق أحدهما صاحبه حال العقد، وكذلك لو ناما في المجلس، أو أغمي عليهما، ثم تقابضا قبل الافتراق. انتهى. وقال النووي: لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا، صح البيع بلا خلاف.
وجاء في مجلة مجمع الفقه الإسلامي -العدد السادس، الجزء الثاني- ما نصه: إن العقود بالتليفون، ونحوه، تصح في ما لا يشترط فيه القبض الفوري، بدون إشكال، أما في ما يشترط فيه القبض الفوري، فإنما تصح بالتيلفون، إذا تم القبض بعد انتهاء المحادثة مباشرة، كأن يكون لكل واحد منهما عند الآخر وكيل بالتسليم مثلا، أو نحو ذلك، وإلا فلا يتم عن طريق التليفون، ونحوه. انتهى.
وجاء فيها أيضا -العدد التاسع، الجزء الأول- تعقيبا على قرار سابق يمنع من إبرام العقود بوسائل الاتصال الحديثة في ما يشترط فيه التقابض: ونحن نقول بهذا، لكن إذا أمكن تحقق القبض عقب إتمام الإيجاب والقبول، وكان العاقدان في الفترة التي تعقبه مشتغلين بعملية القبض -وإن طالت فترة المجلس دون أن ينصرف أي منهما عن مكانه الذي هو فيه-، فقد زال المانع، فصح البيع. انتهى.
ومن مجموع ما سبق؛ فإنا نرى أن المتاجرة بالذهب عبر التليفون، لا حرج فيها؛ بشرط حصول القبض من وكيليهما، أو ما يقوم مقام ذلك قبل انتهاء المكالمة، وإلا فلا.
ولمزيد من الفائدة، وتوضيح، وتفصيل أكثر، ننصح بمراجعة العددين المذكورين من مجلة مجمع الفقه الإسلامي.
والله أعلم.