الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن من يذكر بالموت ومن أسميتهم مشايخ السلفية أو غيرهم في عافية مما تعاني منه ـ والحمد لله ـ فهم بذلك أكثر طمأنينة وإنابة إلى الله تعالى واستقامة على طاعته، فالمشكلة إذا فيك أنت وليست فيهم هم، فربما تعاني من شيء من الأمراض النفسية التي تدفعك إلى هذا الخوف الشديد من الموت، وقد وردت إلينا أسئلة بهذا الخصوص من كثير من السائلين، نحيلك على سبيل المثال على الفتوى رقم: 130162، وإذا رأيت أنك في حاجة إلى استشارة نفسية بهذا الخصوص فيمكنك الكتابة إلى قسم الاستشارات بموقعنا على الرابط التالي:
http://consult.islamweb.net/consult/index.php?page=listing&pid=2720
والإنسان وإن كان بطبعه يكره الموت إلا أن إكثار المؤمن من ذكر الموت راحة له من عناء الحياة، فلا يحمل لها هما؛ لأن ذكر الموت يهذب النفس ويدفع عنها اليأس بسبب الفقر وضيق العيش، وفي المقابل يقيها من الجشع والطمع الذي يكون بسبب حب الحياة، روى الطبراني في الأوسط، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استكثروا من ذكر هاذم اللذات، فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه الله، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه.
وإذا لم تكن تريد أن يقف الدين عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعند من تريد أن يقف؟ لم تبين لنا، والذي يوحى إليه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاعته من طاعة الله، قال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا {النساء:80}، والصحابة رضي الله عنهم شاهدوا التنزيل، وعايشوا نزول الوحي، ففهمهم لنصوص الكتاب والسنة خير من فهمنا، ولذا جاء الأمر باتباع سبيلهم وعدم مخالفته، قال الله عز وجل: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم {التوبة:100}، وقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا {النساء:115}.
وما اتهمتنا به بقولك: صورتولي أن الله عز وجل بيعاملنا معاملة البشر أن العبادة لازم تطلع كما هى بالظبط وبالملي حتى تقبل صورتولي أن الله صعب التعامل معاه... الخ، هراء من القول وكذب وافتراء سببه المرض النفسي الذي تعاني منه، والذي سبق وأن أشرنا إليه. ونحن لم ندع ما نسبته إلينا، فإننا لا نتجاوز الكتاب والسنة في عقيدتنا وسلوكنا ولا ندعو إلا إلى ما جاءت به النصوص، وننهى عن التنطع والغلو كما جاء بت بذلك نصوص الوحيين، ونرجو أن تطالع على سبيل المثال الفتوى رقم: 58124، والمشكلة كل المشكلة في سوء الفهم الذي ينتاب أذهان بعض الجهال حين يظن أن التمسك والاتباع تشددا؛ لأنه يحب أن يكون الدين على هواه، ويميل إلى من يعطيه من الدين ما يكون موافقا لهواه، فيحل له الحرام وهو مستأنس بذلك يمني نفسه أن هذا هو الدين الذي ينجو به عند رب العالمين، وهو بذلك إنما يخدع نفسه ويحتال عليها، قال تعالى: ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون {المؤمنون:71}.
ثم إن الصوفية وغيرهم لا يختلفون في أمر الموت وسكراته، وما يحدث في القبر، فلم جعلت الشناعة والإنكار على السلفيين وحدهم؟!
وما ذكرت من كونك وجدت عند الصوفية العاطفة وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته والصحابة، فهذه حقيقة، ولكن ما يخفى عليك أن هذه المحبة العاطفية لا تكفي بمجردها حتى يكون معها اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة والسلوك والعمل، قال تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم {آل عمران:31}، قال الحسن البصري: لا تغتر يا ابن آدم بقوله: أنت مع من أحببت، فإنه من أحب قوما تبع آثارهم، واعلم أنك لا تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم، وحتى تأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتصبح وتمسي على مناهجهم حرصا على أن تكون منهم. وما هو مذكور هنا هل هو متحقق في الصوفية؟ الجواب، لا، بل عندهم من طوام الفساد العقدي والانحراف من جهة البدع والخرافات ما الله به عليم، فهم بذلك مخالفون لمنهج أهل السنة والجماعة، ولدينا جملة من الفتاوى تبين المخالفات الشرعية التي تقوم عليها الصوفية نحيلك منها الأرقام التالية: 13742، 13353، 8500، 596، ولمعرفة المزيد عن الصوفية ومخاطرها ارجع إن شئت إلى: كتاب تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي، وكتاب: هذه هي الصوفية للشيخ عبد الرحمن الوكيل من علماء الأزهر، وكتاب الصوفية في الكتاب والسنة للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
واعلم أنك إذا سرت على الصراط المستقيم واتبعت المنهج الحق الذي كان عليه سلف هذه الأمة الصالح وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن تموت بإذن الله إلا على خاتمة حسنة ولن ترى ـ بإذن الله ـ إلا ملائكة الرحمة عند موتك، ولن تكون في قبرك إلا في أنس لا وحشة معه، وفي نور لا ظلمة تصحبه، قال تعالى: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون {البقرة:132}، قال ابن كثير في تفسيرها: أي: أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه، فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه، وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وفق له ويسر عليه، ومن نوى صالحا ثبت عليه.
ونحن لا نكفر الصوفية بأعيانهم، بل نذكر ما ورد من الأقوال والأعمال ما ثبت بالدليل أنه يؤدي إلى الكفر، وأما تكفير الأعيان فله ضوابطه الشرعية، بمعنى أن من أتى من المسلمين بقول أو فعل مكفر لا يحكم بكفره حتى تتوفر فيه شروط وتنتفي موانع، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 721.
والصوفية أكثر تكفيرا وتضليلا لمخالفيهم, وإيذاء لهم، فلا ضابط لهم في ذلك ولا رابط، وخير دليل على ذلك ما وقع منهم مع شيخ الإسلام ابن تيمية بسبب التعصب، فمنهم من كفره ومنهم من ضلله، ومنهم من تسبب في سجنه بسبب مسألة شد الرحال.
وبخصوص ما ذكرت من بقاء الناس بعد البعث قرابة سبعمائة عام حتى يتجلى الله و ينزل ليفصل بين الخلائق، لم نجد عليه دليلا، ولكن قد ثبت في الصحيحين في قصة مانع الزكاة وحاله يوم القيامة قوله صلى الله عليه وسلم: كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد... الحديث. وجاء في مسند أحمد تخفيف هذا اليوم على المؤمن، ففي حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم يوما كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" والذي نفسي بيده انه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا". حسنه العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين. وعلى كل فإن لله الأمر في خلقه، قال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23}، وقال: والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب {الرعد:41}.
والتوسل منه المشروع ومنه الممنوع كما سبق وأن بينا في الفتوى رقم: 4416، وفي بعض صور هذا التوسل الممنوع خلاف بين العلماء كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تؤيده الأدلة المنع من ذلك، وإن كان هنالك من أهل العلم من أداه اجتهاده إلى القول به فهو مأجور، للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. ولكن من تبين له أن الدليل على خلاف ذلك فلا يقلده فيه.
وننبه هنا إلى خطأ يقع فيه بعض الناس حين يسمي دعاء الأموات والاستغاثة بهم توسلا، فالتوسل قد علمت حقيقته من خلال ما ذكرنا، وأما دعاء الأموات والاستغاثة بهم فنوع من الشرك بالله تعالى، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 3835.
والله أعلم.