السؤال
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع. وسؤالي هو: إذا كان هناك حكم إسلامي ورأى شخص زوجته أو شخصا ما زنا، أو سرق، أو قتل، أو كان لا يصلي، أو عمل معصية عليها حد، ولكن تستر عليهم تبعا للحديث: من ستر على مسلم ستر الله عليه يوم القيامة، فهل له أجر أم إنه آثم؛ لأنه عطل حدا من حدود الله، ويجب عليه رفع أمره إلى القاضي والحاكم ليقيم عليه الحد؟ ولو كان الحكم غير إسلامي فهل له نفس حكم الإسلامي، وخاصة من رأى زوجته تزني، فهل يجب عليه ملاعنتها، ويأثم إذا لم يلاعنها إذا لم تعترف بالزنا، أم إن اللعان هنا مستحب؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالستر على من فعل معصية توجب حدا أو تعزيرا يختلف ذلك باختلاف حال من وقع فيها، وذلك راجع إلى المصلحة، والأصل أن الستر أفضل لحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة . متفق عليه، قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث: وأما الستر المندوب إليه هنا، فالمراد به الستر على ذوي الهيئات، ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب ألا يستر عليه، بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر، إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله، هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، وأما معصية رآه عليها، وهو بعد متلبس بها، فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل تأخيرها، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة. انتهى.
وقال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في جامع العلوم والحكم: واعلم أن الناس على ضربين: أحدهما: من كان مستورا لا يعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة، أو زلة، فإنه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التحدث بها؛ لأن ذلك غيبة محرمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قد قال الله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}، والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المستتر فيما وقع منه، أو اتهم به وهو بريء منه، كما في قصة الإفك، قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبا نادما، وأقر بحد، ولم يفسره، لم يستفسر، بل يؤمر بأن يرجع ويستر نفسه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية، وكما لم يستفسر الذي قال: (أصبت حدا، فأقمه علي) ومثل هذا لو أخذ بجريمته، ولم يبلغ الإمام، فإنه يشفع له حتى لا يبلغ الإمام، وفي مثله جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)، خرجه أبو داود، والنسائي من حديث عائشة.
والثاني: من كان مشتهرا بالمعاصي، معلنا بها لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعلن، وليس له غيبة، كما نص على ذلك الحسن البصري، وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره؛ لتقام عليه الحدود، صرح بذلك بعض أصحابنا، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم ـ: (واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، ومثل هذا لا يشفع له إذا أخذ، ولو لم يبلغ السلطان، بل يترك حتى يقام عليه الحد لينكف شره، ويرتدع به أمثاله، قال مالك: من لم يعرف منه أذى للناس، وإنما كانت منه زلة، فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام، وأما من عرف بشر أو فساد، فلا أحب أن يشفع له أحد، ولكن يترك حتى يقام عليه الحد ، حكاه ابن المنذر، وغيره.
وكره الإمام أحمد رفع الفساق إلى السلطان بكل حال، وإنما كرهه؛ لأنهم غالبا لا يقيمون الحدود على وجهها؛ ولهذا قال: إن علمت أنه يقيم عليه الحد فارفعه، ثم ذكر أنهم ضربوا رجلا، فمات: يعني لم يكن قتله جائزا. انتهى.
فعلم مما سبق أنه يستحب الستر على من لم يعرف بالفساد، وليس في الستر عليه تعطيل لحدود الله، فإن الشارع الذي أقام الحدود على أهل المعاصي هو الذي رغب في الستر عليهم بالضوابط السابقة.
ولا بأس بكشف المجاهر، والشهادة عليه عند الحاكم، لكن ذلك مقيد بأن يكون الحد أو التعزير الذي سيقام عليه غير مخالف للشريعة الإسلامية، وراجع الفتوى رقم: 158397، ففيها بيان حرمة اتهام الزوجة بالزنا بلا بينة، وما يفعل إن ثبت لديه زناها.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين التالية أرقامهما: 94319، 23376.
والله أعلم.