السؤال
عندما أصلي في المسجد أحاول جاهدا أن أخشع، ولكن هناك من يدق جواله ونغمة الجوال تكون عالية وتشوش علي، وأيضا الذي بجانبي في صلاة الظهر والعصر يقرأ الفاتحة بصوت عال ويشوش علي ويذهب تركيزي، فأنا أحاول جاهدا أن أعرض عن الإزعاج، فعندما أنزعج هل هذا يؤثر على صلاتي وتلزمني إعادتها؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا إعادة عليك لأجل ذلك، وترك الخشوع كليا لا يؤثر في صحة الصلاة والاعتداد بها، فلا تبطل بتركه، كما بيناه في الفتوى رقم: 61221.
لكن ترك الخشوع يؤثر في قبول الصلاة وأجرها، كما روى أحمد والنسائي وابن حبان واللفظ للمسند: أن عمارا، صلى ركعتين، فقال له عبد الرحمن بن الحارث: يا أبا اليقظان، لا أراك إلا قد خففتهما، قال: هل نقصت من حدودها شيئا؟ قال: لا، ولكن خففتهما قال: إني بادرت بهما السهو، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليصلي، ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها، وتسعها، أو ثمنها، أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد.
وفي صحيح البخاري عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
قال ابن بطال: هو حض على إحضار المصلي ذهنه ونيته لمناجاة ربه، ولا يشتغل بأمر دنياه، وذلك أن العبد لا يستطيع أن يخلص صلاته من الفكر في أمور دنياه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الشيطان يأتي إليه في صلاته، فيقول له: اذكر كذا اذكر كذا؛ لأنه موكل به في ذلك، وقد قال عليه السلام: من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له، وهذا لمغالبته الإنسان، فمن جاهد شيطانه ونفسه وجبت له الجنة، وقد نظر عليه السلام إلى أعلام الخميصة وقال: إنها شغلتني. اهـ.
وقال ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في "شرح رياض الصالحين": الإنسان إذا قام يصلي فإنه بين يدي الله عز وجل، فلا ينبغي له أن يلتفت لا بقلبه ولا بوجهه إلى غير الله سبحانه وتعالى، أما الالتفات في القلب فهو أن الإنسان يفكر في غير ما يتعلق بالصلاة مثل الهواجس التي تعتري كثيرا من المصلين، فإن هذا التفات في القلب، وهو أشد إخلالا للصلاة من الالتفات بالبدن؛ لأنه ينقص من الصلاة حتى إن الإنسان ينصرف من صلاته ما كتب له إلا عشرها أو أقل، حسب حضور قلبه... والاختلاس أخذ الشيء بخفية، يعني أن الشيطان يتسلط على الإنسان في صلاته فيؤدي إلى أن يتلفت يمينا أو شمالا لأجل أن ينقص أجره. اهـ.
ولا شيء عليك إن -شاء الله- ما دام التشويش حاصلا من غيرك وأنت تدافعه ما أمكنك؛ فإنك معذور في ذلك، وإن الله جل وعلا لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
وإنما اللوم والعتاب يقع على من استرسل مع تشويش النفس والوسواس والناس، دون أن يدافعه ما أمكن.
وينبغي على الناس أن يراعوا حرمة المسجد والصلاة، ولا يشوشوا على غيرهم صلاتهم، لا بقراءة قرآن ولا بنغمة جوال، والثاني أشد، فقد يفعل كثير من الناس ما قد يأثمون به وهم لا يشعرون.
والإخلال بهذا إخلال بأدب العبادة، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي سعيد الخدري: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال: ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال: في الصلاة. رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وأحمد.
قال ابن عبد البر في "التمهيد": وإذا لم يجز للتالي ـ يعني تالي القرآن ـ المصلي رفع صوته؛ لئلا يغلط ويخلط على مصل إلى جنبه... فالحديث في المسجد مما يخلط على المصلي أولى بذلك وألزم وأمنع وأحرم والله أعلم، وإذا نهي المسلم عن أذى أخيه المسلم في عمل البر وتلاوة الكتاب ـ أي: إذا رفع صوته في التلاوة أو الصلاة ـ فأذاه في غير ذلك أشد تحريما. اهـ.
والله أعلم.