جواز ترك الدواء لمن علم من نفسه الصبر على المرض

0 804

السؤال

أنا أعمل طبيبا أعاني من دوخة منذ 3 سنوات أجريت فحوصات كثيرة في هذه الفترة فلم أجد شيئا، قال لي صديق يعالج بالقرآن هذا مس من الشيطان أدعو الله دائما لرفع هذا البلاء وأحب أن أسال: 1- هل الدعاء يتعارض مع الصبر؟ 2- كيف لي أن أعرف إذا كان هذا مس من الشيطان؟ 3- هل لي أن أرقي نفسي أم أجعل غيري يرقيني؟ 4- تكثر علي هذه الدوخة أثناء فعل الطاعات مثلا أثناء صلاة الجماعة، فماذا أفعل؟ 5- هل ترك الفحوصات (بعد أن سئمت منها) فيها مخالفة شرعية؟ 6- هل التداوي أفضل أم تركه والصبر أفضل؟ 7- كيف أكون فعلا من الصابرين الذين يوفون أجرهم بغير حساب؟ 8- أنا أحفظ القرآن وأكثر من قراءته أفلا يرد هذا عني كيد أي شيطان؟ 9- هل كتمان هذا الأمرعن المقربين لي فيه مخالفة شرعية؟ 10- كيف أعرف إذا كان هذا ابتلاء بسبب معاص قد يرتكبها المرء أحيانا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإنا نرجو الله أن يشفيك كما نهنئك على حفظ القرآن والاهتمام بالدين بارك الله فيك وزادك حرصا وعافاك. وإليك جواب ما تسأل عنه: 1- لا يتعارض الدعاء مع الصبر، فقد يصبر الإنسان على القضاء ويدعو الله أن يكشف عنه ما أصابه فيجمع بين الصبر والدعاء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد المرضى للدعاء، فقد قال لعثمان بن أبي العاص لما شكا وجعا يجده في جسده: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثا. وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم. ولكن إذا كان الإنسان يستطيع الصبر على بقاء المرض والبلاء عليه محتسبا الأجر عند الله فهذا أفضل، لحديث الصحيحين أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها. فقد استنبط ابن حجر في فتح الباري من هذا الحديث مسائل منها: أن الصبر على البلاء يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة وجواز ترك التداوي، وأن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنفع من العلاج بالعقاقير. 2- لمعرفة مس الشياطين راجع الفتوى رقم: 4738. 3- لك أن ترقي نفسك أو أن تسترقي غيرك إذا كان صحيح المعتقد سالما من الدجل والشعوذة. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا. رواه أبو داود وصححه الألباني. وقد رقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك. رواه مسلم. 4- الدوخة التي تصيبك من مظاهر المس وعلاجها بعلاج المس. 5- لا حرج في ترك الفحوص بعد أن علمت أنه لا جدوى فيها. 6- ثبت أن الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أتتداوى؟ قال: تداووا؛ فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم، ووافقهم الذهبي والأرناؤوط والألباني. وقد اختلف في جواز التداوي وندبه ووجوبه أو أنه خلاف الأولى، وراجع في هذا الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9729، 25308، 4214، 27266، 30645. وقد سبق أن ذكرنا استنباط ابن حجر من حديث الصحيحين جواز ترك الدواء لمن علم من نفسه الصبر على المرض. 7- مما يعين على اكتساب صفة الصبر استشعار فضائل الصبر، وهي كثيرة منها: - أنه سبب لتأييد الله تعالى ونصره، لقوله تعالى: إن الله مع الصابرين [البقرة:153]. - أنه سبب لمحبة الله، لقوله تعالى: والله يحب الصابرين [آل عمران:146]. - أنه تنال به الإمامة في الدين، لقول الله تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [السجدة:24]. -أن الصابرين بشروا بثناء الله وهدايته ورحمته، قال الله تعالى: وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [البقرة:157]. - الجنة؛ كما في حديث المرأة السابقة الذكر وفي قوله تعالى: للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد [آل عمران:15]. ثم ذكر صفات المتقين وذكر منها الصابرين والصادقين والقانتين، إلى غير ذلك من فضائل الصبر الموجودة في الوحي قرآنا وسنة. وقد ذكر ابن القيم في مدارج السالكين أن مما يعين على الصبر ملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح ولذة الفرج، وتهوين البلاء بتذكر النعم الماضية والحالية، وقد ذكر ابن كثير في التفسير أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على النفس والأبدان، والصبر عما كره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين. انتهى. 8- مما لا شك فيه أن قراءة القرآن تنفع صاحبها لقول الله تعالى: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا [الإسراء:45]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم. وفي صحيح ابن حبان والحاكم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال. صححه الحاكم وحسنه الألباني. لكن لا بد أن يكون القارئ قوي اليقين والتوكل، سليم المعتقد، بعيدا عن موانع إجابة الدعاء، وراجع في هذه المسألة الفتوى رقم: 9800، والفتوى رقم: 5241. 9- لا حرج في كتمان هذا الأمر عن الأقارب، ولاسيما إذا كان إظهاره لهم يؤدي لاتهامهم لك بالجنون، علما بأن الإخبار بالمرض لا ينافي الصبر، فقد ذكر القرطبي في تفسيره أن إظهار البلوى على غير وجه الشكوى لا ينافي الصبر، قال الله تعالى في قصة أيوب عليه السلام: إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب [ص:44]، مع ما أخبر الله عنه أنه قال: أني مسني الضر [الأنبياء:83]. 10- مما لا شك فيه أن الله تعالى قد يبتلي عبده بسبب المعاصي لعله يتوب كما قال الله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى:30]، وقال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون [الروم:41]، وقد يحصل الابتلاء كما قال ابن حجر من ظلم الجن، وقد يحصل بسبب آخر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة