السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أفتوني في حكم حلق اللحية لأسباب سياسية ؟ وجزاكم الله خيرا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أفتوني في حكم حلق اللحية لأسباب سياسية ؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإعفاء اللحية من الأوامر الشرعية الأكيدة التي يجب على المسلم امتثالها ، ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خالفوا المشركين وفروا اللحية وأحفوا الشوارب" . وقد تكرر هذا الأمر منه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث في الصحيحين وغيرهما ، والأمر يقتضي الوجوب على الراجح عند الأصوليين .وقد اجتمع في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وهو هدي النبيين كافة، كما أنه فعل الصحابة والتابعين لهم بإحسان، لايعرف منهم مخالف. لكن أوامر العزيز الحكيم الرحيم مبنية على رفع الحرج ودفع الضرر ، قال تعالى : (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ). [ البقرة: 286]. وقال تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم). [ البقرة : 173] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ". [ أخرجه مسلم ]. وعلى هذا إذا كان إعفاء اللحية يسبب للمرء ضررا مجحفا محققا، كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب ولم يستطع دفع ذلك الضرر إلا بالتخفيف من لحيته أو حلقها ، فإنه يجوز له اللجوء إلى الأخف وهو التخفيف، ولايصير إلى الحلق إلا إذا ثبت أن ما دونه لايدفع عنه الأذى، لأنه فعل ذلك ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وضابطها ماجاء في قوله سبحانه : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ) النحل106 ، وقوله سبحانه:( فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه) فمن ظلم أو تعدى فهو آثم. وتأسيسا على ذلك نقول: قد ثبت بالتتبع والسؤال وباستقراء أحوال أناس كثيرين أن دعوى الإكراه على حلق اللحية لايكون إلا في نطاق ضيق، وأن أكثر الناس يتخوفون من دون سبب حقيقي، ثم يبنون على هذا التخوف أحكاما ويدعون ضرورات وليس الأمر كذلك، وكثير منهم لايريد أن يلحقه أي أذى أو مضايقة بسبب تدينه والتزامه بالمظهر الإسلامي والأخذ بالسنة، وهذا مخالف لسنة الله في عباده المؤمنين قال تعالى: ( ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)[العنكبوت:1ـ2] فالأذى والمضايقة بسبب التدين الصحيح من الأمورالمتوقعة، والسلامة منها على خلاف الأصل. والمقصود أن مايقع من الأذى هو أمر عادي يجب أن نتقبله ونحتسب عند الله مانلقى ، فهذه ضريبة الإيمان وثمن الجنة، ولو أنا كلما أحسسنا بالأذى تراجعنا في التزامنا لم نلبث أن ننسلخ من شعائر ديننا الظاهرة، وهذا بالضبط مايريد أعداؤنا أن نصل إليه لتخفى معالم الحق على الناس وتندرس رسومه، وهذا من أخطر العواقب، فليتنبه لذلك فإنه من مزالق الشيطان. وعليه: فمن تحقق وقوعه في ضرر يشق احتماله ـ بعد ملاحظة ماقدمنا ـ رجونا أن لا إثم عليه بالترخص على ماقدمنا تفصيله، وعليه مع ذلك أن لا يطمئن لما أقدم عليه ولا تركن إليه نفسه، بل عليه أن يبقى متلهفا متعلق القلب تواقا إلى أن يفرج الله عنه تلك الضرورة فيمتثل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويعفي لحيته ويقص شاربه . نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا وأن يمكن لهم في الأرض ويهيء لهم من أمرهم رشدا . والله أعلم .