السؤال
كنت مسؤولا لفترة من الفترات عن إنهاء بعض المعاملات لبعض الموظفين، وكانت هناك رسوم حكومية لإنهاء المعاملة، ثم قمت بإجازة، وعندما عدت للعمل وجدت المعاملات التي جاءت خلال فترة إجازتي كما هي، ولم ينهها الزملاء، وتركوها حتى عودتي، فكانت معي رسوم هذه المعاملات، وجعلتها معي على سبيل الأمانة حتى أستطيع إرجاعها لأصحابها (موظفون في مشروعات متفرقة، ومنهم من يرجع إلى دولته، ومنهم من يستمر، ومنهم من ينتقل لمشروع آخر ...) ثم حدثت لي ضائقة مالية وظروف لا يعلمها إلا الله، فاستعنت بهذه الأموال لفك الكرب على أن أقوم بإرجاعها فيما بعد، ومضت فترة ولم يسأل عنها أحد، ولم أدر ماذا أفعل؟ ولم أعرف هؤلاء الأشخاص كي أرجع لهم مستحقاتهم، وعلمت أن الكثير منهم عاد لبلده، ثم حدث في يوم أن سألني البعض عن رسوم بعض الأشخاص، فاستحييت ولم أستطيع أن أذكر الحقيقة، وكأني لا أعلم شيئا عن الموضوع.
والآن ماذا أفعل؟ وكيف أرد هذه الأموال (هي أموال يسيرة)؟ وأنا لا أعلم الأشخاص، والأشخاص الذين أعلمهم لا أستطيع مواجهتهم بالأمر لخجلي الشديد منهم، وأنا على يقين من أنهم لو علموا فلن يغضبوا مني؛ لمحبتهم لي، ولقلة رسوم المعاملة الخاصة بهم، فماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من أخذ تلك الأموال بغير حق، والتصرف فيها دون إذن أصحابها، ويجب أن تردها لأصحابها، أو تستحلهم منها، وهذا بالنسبة لمن تعرفهم ويمكنك الوصول إليهم.
أما من لا يمكنك الوصول إليهم: فإنك تتصدق بها عنهم مع ضمانها، فإن وجدتهم فيما بعد خيرتهم بين إمضاء الصدقة ويكون أجرها لهم، وبين رد الحق ويكون أجر الصدقة لك؛ قال ابن القاسم في حاشيته على الروض المربع: الرهون، والودائع، ونحوهما من سائر الأمانات، والأموال المحرمة، كالسرقة، والنهب، إذا جهل أربابها دفعها للحاكم، أو تصدق بها عن ربها، بشرط ضمانها له؛ لأنه في الصدقة بها عنه جمع بين مصلحة القابض بتبرئة ذمته، ومصلحة المالك بتحصيل الثواب له. اهـ.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: يجب رد المال المقترض إلى صاحبه إن كان حيا، ويمكن السؤال عنه، وعن مقره عن طريق أقاربه، وإن تعذر ذلك فيسلم إلى ورثته إن وجدوا، وإن تعذر ذلك فيتصدق به عنه، ثم إن لقيته بعد ذلك أخبره بما فعلت، فإن رضي، وإلا ادفع إليه حقه، ويكون أجر المال المتصدق به لك. اهـ.
واعلم أن حرمة الأموال تشمل قليلها وكثيرها؛ جاء في فتح الباري لابن حجر: قوله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس. فإنه يتناول القليل والكثير؛ إذ لا قائل بحل القليل دون الكثير. اهـ. وبالتالي فكون تلك الأموال يسيرة أو كون أصحابها لن يغضبوا منك إذا علموا لكونها قليلة لا يعفيك مما تقدم بشأنها.
كما أن الخجل ليس مبررا لعدم ردها إليهم، ولكن يمكنك إن أردت أن تردها بطريقة غير مباشرة حتى لا يفتضح أمرك، وراجع الفتوى رقم: 117637.
والله أعلم.