شبهة حول الاحتفال بالمولد النبوي والرد عليها

0 436

السؤال

هناك شخص ناقشني عن أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة، وأنه من البدع الحسنة، وقلت له إن أول من أحدثه الفاطميون ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام، وقلت له إنه ليس هناك بدعة حسنة وسيئة، وأوضحت له كلام العلماء في من يقول إن هناك بدعة حسنة، لكنه يدافع عن بدعته وهواه، ويأتي بكلام العلماء أن هناك بدعة حسنة وممن استدل بأقوالهم أن هناك بدعة حسنة العالم السيوطي (حسن المقصد في عمل المولد، تأليف: جلال الدين السيوطي، ص 4
وابن الجوزي في مرجع السيرة الحلبية، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي، 1/83 - 84.
وابن حجر العسقلاني، والسخاوي في السيرة الحلبية، تأليف: علي بن برهان الدين الحلبي، 1/ 83-84.
ابن الحاج المالكي في المدخل عن تعظيم شهر ربيع الأول، تأليف: ابن الحاج(1/361).
والحافظ عبد الرحيم العراقي، والحافظ شمس الدين ابن الجزري وأبو شامة (شيخ النووي)، والشهاب أحمد القسطلاني في المراجع الآتية: الدرر السنية، ص190 شرح ابن عابدين على مولد ابن حجر، شرح المواهب اللدنية للزرقاني، الباعث على إنكار البدع والحوادث، تأليف: أبو شامة، ص13، المواهب اللدنية - 1-148- طبعة المكتب الإسلامي.
وبعدها صار يذكر الشبهات والرد عليها طبعا ليس من علمه، فالشخص ليس بطالب علم أو شيخ لديه علم إنما هو صاحب هوى يعمل نسخ ولصق على المواقع مثل الفيس فقط، وهو ضعيف في النقاش فقط ينقل ليشبع هواه ولكي لا يهزم في النقاش.
شبهة (1) المولد لم يفعله لا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا الصحابة ولا التابعون، فلو كان خيرا لسبقونا إليه!!
الجواب باختصار:
ليس كل فعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم حرام فعله، على الرغم أنه احتفل صلى الله عليه وسلم بميلاده، سيأتي ذكره، إنما يحتاج إلى نهي صريح من الكتاب والسنة المطهرة، وهذا الفعل يعرض على الكتاب والسنة إن وافقها جاز، هذا ما يسمى بالبدعة الحسنة، هذه قصة مشابهة تبين عدم حجية هذا القول:
قال أبوبكر ـ رضي الله عنه ـ لعمر ـ رضي الله عنه ـ عندما استشاره في أمر جمع القرآن: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير.
شبهات عن المولد (2)
في الاحتفال بالمولد انتقاص لقدر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك بقصر ذكره في يوم دون باقي أيام السنة.
الجواب باختصار:
هذه مصادرة، ولا يتكلم ذلك إلا من رأى ذلك على نفسه ويتهم به غيره، ولا يتكلم بذلك إلا جاهل بالناس ومحروم من هذه النفحات، فنحن لم نخصص المدح في يوم، بل خصصنا زيادة المدح في يوم، ألا ترى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خصص زيادة الشكر على ولادته بصوم يوم الاثنين، كما ورد في صحيح مسلم - رقم – 1162، أنقول إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قصر شكر الله لظهوره للعالمين في يوم دون باقي أيام الأسبوع!! أم نقول زاد الشكر في ذاك اليوم؟!
ثم بماذا يجاب عن صيام يوم عاشوراء في شكر الله على نجاة موسى عليه السلام، أهو قصر شكر في ذاك اليوم فقط؟!
شبهات عن المولد (3)
كيف تحتفلون في 12 من ربيع الأول وهو اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
الجواب باختصار:
اتفاق يوم المولد مع يوم الوفاة لا ينفي فضل يوم المولد، ألا ترى ما جاء في سنن النسائي رقم 1374: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام ، وفيه قبض"
فيوم الجمعة كان من أفضل الأيام بالرغم أن وفاة سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ وافقت يوم مولده.
لو كان الاحتفال بالمولد خيرا لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم هل أنتم تحبونه أكثر من أصحابه الذين لم يحتفلوا بمولده؟!
الجواب باختصار:
أولا: لا تشبه نفسك بالصحابة فلست من مقامهم، وهم عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم وكانت كل أيامهم عيد لوجوده معهم صلى الله عليه وسلم.
وهناك شبهات كثير جدا لا أكاد أقولها وقد أوقع بعض الشيء في قلبي لأنني لم أتبع منهج السلف في أنه لا يجوز مجادلة أصحاب البدع والأهواء كما كان يعلمون طلاب العلم وغيرهم، فما قولكم على أقوال العلماء أنه يوجد بدعة حسنة مع أني او ضحت لهم كلام ابن عثيمين ولم يقتنع وعلى شبهاته في المولد النبوي، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق لنا الكلام في عدة مواضع عن حكم الاحتفال بالمولد، وعن بعض الشبهات المثارة في هذا الموضوع، وأصل الخلاف إنما هو في ما جاء ذكره في السؤال من عدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه من بعده لشيء من ذلك، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، ولسنا أفضل في محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه من أصحابه رضي الله عنهم، الذين لم يحتفلوا بمولده!!!
ولا يخفى أنه لا يقوم لهذه الحجة ما نقله السائل من قول الشخص المذكور: (لا تشبه نفسك بالصحابة فلست من مقامهم، وهم عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم وكانت كل أيامهم عيد لوجوده معهم صلى الله عليه وسلم)!!!
فإن عدم فعلهم لذلك لم يكن فقط في حياته صلى الله عليه وسلم، بل كان ذلك حالهم أيضا بعد وفاته، وكذلك كان حال أئمة الدين من بعدهم في عصر التابعين وتابعيهم بإحسان، في القرون المفضلة، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، متفق عليه. وحسبنا بهم أسوة وقدوة، وقد قال الله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم {التوبة:100}.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 151445، 62785، 74863، وراجع في إبطال البدعة الحسنة في الشرع، الفتويين التالية أرقامهما: 132845، 55499.
وننقل هنا لمزيد الفائدة كلام الشيخ عطية سالم في تتمة أضواء البيان، حيث قال: لا شك أن العالم لم يشهد حدثين أعظم من هذين الحدثين: مولد سيد الخلق، وبدء إنزال أفضل الكتب، فكان صلى الله عليه وسلم يحتفي به، وذلك بصيامه، وهو العمل المشروع الذي يعبر به المسلم عن شعوره فيه، والعبادة الخالصة التي يشكر الله تعالى بها على هاتين النعمتين العظيمتين، أما ما يفعله بعض الناس من احتفالات ومظاهر، فقد حدث ذلك بعد أن لم يكن لا في القرن الأول ولا الثاني ولا الثالث، وهي القرون المشهود لها بالخير، وأول إحداثه في القرن الرابع، وقد افترق الناس فيه إلى فريقين:
فريق ينكره، وينكر على من يفعله؛ لعدم فعل السلف إياه، ولا مجيء أثر في ذلك.
وفريق يراه جائزا؛ لعدم النهي عنه.
وقد يشدد كل فريق على الآخر في هذه المسألة، ولشيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم كلام وسط في غاية الإنصاف، نورد موجزه لجزالته، والله الهادي إلى سواء السبيل، قال ـ رحمه الله ـ في فصل قد عقده للأعياد المحدثة: فذكر أول جمعة من رجب وعيد خم في الثامن عشر من ذي الحجة، حيث خطب صلى الله عليه وسلم وحث على اتباع السنة وبأهل بيته، ثم أتى إلى عمل المولد، فقال: وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، مع اختلاف الناس في مولده، أي في ربيع أو في رمضان، فإن هذا لم يفعله السلف ـ رضي الله عنهم ـ مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنا وظاهرا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وأكثر هؤلاء الذين تراهم حرصاء على أمثال هذه البدع، مع ما لهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة، تجدونهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجاجيد المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها، واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضا من بدعة وغيرها، اهـ. ثم رسم طريق العمل السليم للفرد في نفسه والداعية مع غيره، فقال: فعليك هنا بأدبين:
أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنا وظاهرا.
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان، فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضمر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة نوع من الخير، فعوض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرا إلا إلى مثله أو إلى خير منه، فإنه كما أن الفاعلين لهذه البدع معيبون، قد أتوا مكروها فالتاركون أيضا للسنن مذمومون، وكثير من المنكرين لبدع العبادات تجدهم مقصرين في فعل السنن من ذلك أو الأمر به... ولعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العادات المشتملة على نوع من الكراهة، بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم؛ لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قدمته لك أنه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد، ولهذا قيل لأحمد: إن بعض الأمراء ينفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك! فقال: دعه، فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب، أو كما قال، مع أن مذهبه: أن زخرفة المصاحف مكروهة، فمثل هؤلاء إن لم يفعلوا هذا، وإلا اعتاضوا عنه الفساد الذي لا صلاح فيه مثل أن ينفقها في كتب فجور، ككتب الأسمار والأصفار، أو حكمة فارس والروم، ومراتب الأعمال ثلاث:
إحداها العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه.
والثانية: العمل الصالح من بعض وجوهه أو أكثرها، إما لحسن القصد، أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع.
والثالثة: ما ليس فيه صلاح أصلا.
فأما الأولى: فهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أعمال السابقين الأولين.
وأما الثانية: فهي كثيرة جدا في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة، ومن العامة أيضا، وهؤلاء خير مما لا يعمل عملا صالحا مشروعا ولا غير مشروع، ومع هذا فالمؤمن يعرف المعروف وينكر المنكر، ولا يمنعه من ذلك موافقة بعض المنافقين له في ظاهر الأمر بذلك المعروف والنهي عن ذلك المنكر، ولا مخالفة بعض علماء المؤمنين. فهذه الأمور وأمثالها مما ينبغي معرفتها والعمل بها. اهـ.
لقد عالج ـ رحمه الله ـ هذه المسألة بحكمة الداعي وسياسة الدعوة مما لا يدع مجالا للكلام فيها، ولكن قد حدث بعده ـ رحمه الله ـ أمور لم تكن من قبل، ابتلي بها العالم الغربي، وغزا بها العالم الشرقي، ولبس بها على المسلمين، وهي تلك المبادئ الهدامة والغزو الفكري، وإبراز شخصيات ذات مبادئ اقتصادية أو فسلفية، ارتفع شأنها في قومهم، ونفثت سمومهم إلى بني جلدتنا، وصاروا يقيمون لهم الذكريات، ويقدمون عنهم الدراسات جهلا أو تضليلا، فقام من المسلمين من يقول: نعلم أن المولد ليس سنة نبوية، ولا طريقا سلفيا، ولا عمل القرون المشهود لها بالخير، وإنما نريد مقابلة الفكرة بالفكرة، والذكريات بالذكرى، لنجمع شباب المسلمين على سيرة سيد المرسلين، ويكون ذلك من باب: يحدث للناس من الأحكام بقدر ما أحدثت من البدع، إلى آخره. وهنا لا ينبغي الإسراع في الجواب، ولكن انطلاقا من كلام ابن تيمية المتقدم، يمكن أن يقال: إن كان المراد إحياء الذكرى لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن الله تعالى قد تولى ذلك بأوسع نطاق حيث قرن ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع ذكره تعالى في الشهادتين، مع كل أذان على كل منارة من كل مسجد، وفي كل إقامة لأداء صلاة، وفي كل تشهد في فرض أو نفل مما يزيد على الثلاثين مرة جهرا وسرا، جهرا يملأ الأفق، وسرا يملأ القلب والحس، ثم تأتي الذكرى العملية في كل صغيرة وكبيرة: في المأكل باليمين؛ لأنه السنة، وفي الملبس في التيامن؛ لأنه السنة، وفي المضجع على الشق الأيمن؛ لأنه السنة، وفي إفشاء السلام وفي كل حركات العبد وسكناته، إذا راعى فيها أنها السنة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن كان المراد التعبير عن المحبة، والمحبة هي عنوان الإيمان الحقيقي، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، وولده، وماله، والناس أجمعين. فإن حقيقة المحبة طاعة من تحب، وفعل ما يحبه، وترك ما لا يرضاه أو لا يحبه، ومن هذا يمكن أن يقال: إن ما يلابس عمل المولد من لهو ولعب واختلاط غير مشروع، وأعمال في أشكال لا أصل لها، يجب تركه وتنزيه التعبير عن محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ عما لا يرضاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكرم هذا اليوم بالصوم، وإن كان المراد مقابلة فكرة بفكرة، فالواقع أنه لا مناسبة بين السببين، ولا موجب للربط بين الجانبين لبعد ما بينهما، كبعد الحق عن الباطل والظلمة عن النور، ومع ذلك، فإن كان ولا بد فلا موجب للتقييد بزمن معين، بل العام كله لإقامة الدراسات في السيرة، وتعريف المسلمين الناشئة منهم والعوام وغيرهم بما تريده من دراسة للسيرة النبوية، وختاما فبدلا من الموقف السلبي عند التشديد في النكير، أن يكون عملا إيجابيا فيه حكمة وتوجيه لما هو أولى بحسب المستطاع، كما قال ابن تيمية. وبالله تعالى التوفيق. اهـ. من تتمة الأضواء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة