0 355

السؤال

تزوجت منذ خمس سنوات، وكانت هناك مشاكل كثيرة، فكنت أقول لها: "اذهبي لبيت أبيك" أو: "لا أريدك"، وكلام من هذا القبيل، ثم قرأت في كتب الفقه أن هذا الكلام ألفاظ طلاق كناية، ومن يومها عشت في شك أنها حرمت علي لأني تلفظت بهذا الكلام كثيرا، ولكني لم أكن أقصد إيقاع الطلاق به. المهم أني بعد ذلك لكي أتخلص من الشك قمت بالقول لها: "أنت طالق" ثلاث مرات متفرقات بينهم إرجاع. وعندما علم أهلي ذهبنا إلى أحد المشايخ، وقال لنا أن فيهم طلقة حيض لا تقع، وأنه باقي لي طلقة واحدة، فرجعت على هذا الأساس، وحملت بطفل وأنجبته، ولكني عشت في شك لأني كنت أعرف أن الجمهور يوقعون طلاق الحيض، فقمت بطلاقها مرة أخرى "أنت طالق"، ثم ذهبت لدار الإفتاء بمصر، وسألني أسئلة باختصار أسئلة قليلة، ثم أفتى لي بعدم وقوع أي طلقة بسبب الوسواس. ورجعت لها رغم أني قرأت على موقعكم أنه ليس كل الوسواس يعتبر، إلا لو كان صاحبه أصدره عن قصد، مثل كلام الشيخ/ ابن عثيمين، وهكذا عشت بدوامة أخرى لأني كنت شخصا طبيعيا، صحيح أني موسوس في بعض الأمور، ولكن هذه الأشياء لا يلاحظها علي الناس، ولأني لست مثل الموسوسين الذين يدفعهم دافع للتلفظ بالطلاق، ولكني كنت أتلفظ للتخلص من الشك في صحة العشرة بناء على معلومات لدي.
المهم بعد ذلك قمت بطلاقها مرتين أيضا لكي أتخلص من هذا الكابوس مع أني أريدها، ولدي منها طفل، ولإرضاء والدي.
فما الحل؟ وما حكم الطفل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن الموسوس لا يقع منه الطلاق ولو نطق بلفظه صريحا ما لم يرده ويقصده قصدا حقيقيا في حال طمأنينة واستقرار بال، وذلك لأنه مغلوب على أمره في غالب أحواله فهو في حكم المكره.

جاء في فتاوى نور على الدرب للشيخ/ ابن عثيمين متحدثا عن طلاق الموسوس: إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا طلاق في إغلاق. فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة. انتهى.

وبناء على ما سبق؛ فإن كنت قد تلفظت بالطلاق بسبب الوسوسة وضيق الصدر، ولم تقصد إيقاعه: فلا شيء عليك، وزوجتك باقية في ذمتك، فأبعد عنك تلك الوساوس والشكوك ولا تلتفت إليها.

وأما إن كنت تلفظت بالطلاق بإرادتك واختيارك لتتخلص من الشك في ثبوت العصمة: فطلاقك في هذه الحالة واقع، مع أن هذا المسلك الذي سلكته خاطئ، وكان عليك أن تعرض عن الوساوس جملة وتفصيلا، فذلك هو العلاج الناجع لها، مع سؤال الله الشفاء العاجل، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم.

قال الشيخ/ ابن عثيمين: وقد ذكر لي بعض الناس الذين ابتلوا بمثل هذا أنه قال مرة من المرات ما دمت في قلق وتعب سأطلق، فطلق بإرادة حقيقية تخلصا من هذا الضيق الذي يجده في نفسه، وهذا خطأ عظيم، والشيطان لا يريد لابن آدم إلا مثل هذا أن يفرق بينه وبين أهله، ولا سيما إذا كان بينهم أولاد، فإنه يحب أن يفرق بينهم أكثر لعظم الضرر، والعدو كما هو معلوم لكل أحد يحب الإضرار بعدوه بكل طريق وبكل وسيلة، والطريقة التي فعلها هذا الذي ذكر لي الطريقة ليست بصواب، وليس دواء من ابتلي بالوسواس أن يوقع ما يريده الشيطان منه، بل دواؤه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. اهـ.

وإذا كان هذا الحال قد حصل معك في ثلاث من الطلقات المذكورات (أي أنك في كل مرة منها تطلق باختيارك لتتخلص من الشك ...) فقد بانت زوجتك بينونة كبرى، ولا تحل لك إلا بعد أن تنكح زوجا غيرك.

وأما الطفل: فإنه لاحق بك على كل حال، ولا إشكال في أمره؛ لأن الحمل به قد حصل حين كان قد بقي لك طلقة بناء على قول من لا يرى وقوع الطلاق في الحيض، وهو ما أفتاك به أحد المشايخ كما ذكرت، على أن أهل العلم متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج صحته فإنه الولد الناتج عنه لاحق به؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة