السؤال
ما هو الفيصل في المباح، والحرام في كتابة الوالدة بعض أملاكها لبناتها، حيث إنها أعطت كل بنت شقة تزوجت فيها، وتريد أن تعطي لكل بنت شقة أخرى؛ ليستفدن من إيجارها، علما بأن ظروف أزواجهن متوسطة وعادية، وإحداهن زوجها فقير جدا؟
ما هو الفيصل في المباح، والحرام في كتابة الوالدة بعض أملاكها لبناتها، حيث إنها أعطت كل بنت شقة تزوجت فيها، وتريد أن تعطي لكل بنت شقة أخرى؛ ليستفدن من إيجارها، علما بأن ظروف أزواجهن متوسطة وعادية، وإحداهن زوجها فقير جدا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على الأم أن تهب بناتها بعض ممتلكاتها، أو كلها إن شاءت، شريطة أن تعدل بينهن، ولو كان لها أبناء ذكور، فلا بد أن تعطيهم مثل ما أعطت للبنات، أو تعطيهم بحسب الميراث؛ إذ لا يجوز التفضيل بين الأبناء في الهبة، أو إعطاء بعض، ومنع بعض، على الراجح؛ لما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فارجعه.
وفي لفظ لمسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بشير؛ ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، فقال: أكلهم وهبت له مثل هذا، قال: لا، قال: فلا تشهدني إذا؛ فإني لا أشهد على جور. فأمر بالعدل، وسمى التفضيل، وتخصيص البعض جورا لا يشهد عليه، فدل ذلك على حرمة هذا الفعل.
لكن بعض العلماء استثنى ما إذا كان التخصيص لمسوغ معتبر.
قال ابن قدامة في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى، أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم، أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده؛ لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله، أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه. ويمكن الاستشهاد لذلك بما رواه مالك في الموطأ بسنده، عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية، ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه، كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله. قالت عائشة: فقلت: يا أبت والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟ فقال: أبو بكر ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية. اهـ.
قال ابن قدامة في المغني أيضا: يحتمل أن أبا بكر خصها بعطية لحاجتها، وعجزها عن الكسب، مع اختصاصها بالفضل، وكونها أم المؤمنين، وغير ذلك من فضائلها. انتهى منه بتصرف يسير.
والله أعلم.