السؤال
أنا عمري 15 سنة، ما الحكم في تفضيل أبي إخواني علي، وحرماني من الخروج من البيت، وظلمي كثيرا؟ وقد رأيت في المنام أن أبي يشنقني، وأنه يغرقني؛ من كثرة ظلمه لي، وتفضيله إخوتي علي، فإنه يحرمني من المال، والترفيه؛ حتى إني لا أرى الابتسامة على وجهه، ولا على وجه أمي، وإذا كان يعطي إخوتي شيئا، فلا يعطيني إياه، مع العلم أنني فكرت بالهروب من البيت، ونصحني أحد الأئمة بعدم ذلك، وقد رسبت في سنة دراسية واحدة، وأخي رسب في 3 سنوات دراسية، وأبي يفضله علي، فأرجو الإجابة عن السؤال، فأنا لا أستطيع تحمل الحياة ساعة واحدة مع أسرتي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الظلم طعمه مر، وآثاره كريهة، ومرتعه وخيم؛ ولذا حرمه الله على نفسه، وجعله بين عباده محرما، ورهب من الوقوع فيه أعظم الترهيب، فقال الله سبحانه: ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا {الفرقان:19}، وقال تعالى: إنه لا يحب الظالمين {الشورى:40}، ولا ريب أن ظلم الوالد لأولاده، أشد من الظلم لغيرهم، قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ... على النفس من وقع الحسام المهند.
فهو مع إثمه، قطيعة للرحم، وقد توعد الله تعالى على ذلك بقوله: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم {محمد:22-23}.
ومن ظلم الوالد لأولاده، عدم العدل بينهم في الهبة، أو المعاملة، أو الابتسامة، ونحو ذلك؛ ولهذا جاءت أوامر النبي صلى الله عليه وسلم للوالد بأن يعدل بين أولاده، فقال: فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. رواه البخاري، وقال لمن أراد إشهاده على عطية، خص بها بعض ولده: فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور. رواه مسلم.
ولكن هذا الظلم من الوالد، لا يسوغ مقابلته بالإساءة، أو الظلم؛ لأن حق الوالدين عظيم، حتى ولو كانا كافرين، فكيف إذا كان مسلمين! قال الله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون {لقمان:14-15}؛ ولهذا نوصيك بالصبر، والتحمل، والاجتهاد في إرضاء والدك، والدعاء له بالهداية، والصلاح، والاستقامة، فإنه -وإن ظلمك- من أعظم الناس حقا عليك.
وقد يكون منعك من بعض الأمور؛ لما يخافه عليك منها.
وقد يكون بعض هذه الأمور محرما، لا يجوز لك فعله.
وكثيرا ما يخطئ الولد في تفسير أفعال أبيه، إذا جاءت على خلاف رغباته، وما يريد، ولو كان في تحقيق هذه الرغبات ما يضره.
واعلم أن الطريق إلى كسب قلب والدك، وإصلاح ما بينك وبينه، سهل ميسور، وما عليك إلا أن تجتهد في الإحسان إليه، فقد قال الله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون {المؤمنون:96}، وقال جل جلاله: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}، فأرشد الله إلى أن نقابل إساءة من أساء إلينا بالإحسان إليه، وأخبر أن ذلك كفيل بأن يرده إلى المودة، والمصافاة، قال ابن عباس في تفسير الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك، عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه ولي حميم. فكيف إذا كان هذا الإحسان للوالد، الذي هو من أكثر الناس رحمة، وشفقة بالإنسان!؟
لا شك أن هذا كفيل بإزالة ما في نفسه من شحناء، قد تكون تسببت فيها دون أن تشعر.
أما هروبك من البيت، فلا شك أنه لا يحل المشكلة، بل يعرضك لمشاكل كثيرة، وفوق ذلك، فهو عقوق لوالديك، اللذين سوف يؤذيهم ذلك أعظم الأذى.
نسأل الله أن يشرح صدرك، ويبارك فيك، وأن يصلح ما بينك وبين والدك، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
وإذا كان والدك رجلا قارئا، فنرجو أن تطلعه على هذه الفتوى، لعلها تكون سببا في عودته إلى الجادة.
والله أعلم.