الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان الميت قد ترك مالا، فإنه يجب سداد دينه منه، ولا يقسم شيء من تركته ما لم يتم سداد الدين؛ لقول الله عز وجل: من بعد وصية يوصى بها أو دين {النساء:12}.
والمقصود هنا أصل الدين، لا الفوائد الربوية المحرمة، فإن هذه الفوائد لا تثبت أصلا في ذمة المتوفى، وفي بذلها إعانة على الربا، ومؤكل الربا ملعون كآكله، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم: لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.
ولا يجوز لكم أن تبذلوا الزيادة الربوية، وإنما الواجب هو أداء رأس المال دون زيادة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان قد بقي في الذمة رأس المال، وزيادة ربوية، أسقطت الزيادة، ورجع إلى رأس المال. اهـ.
وقال أيضا: والواجب على ولاة الأمور بعد تعزير المتعاملين بالمعاملة الربوية: بأن يأمروا المدين أن يؤدي رأس المال، ويسقطوا الزيادة الربوية. اهـ.
وقال في موضع آخر: وعلى ولي الأمر المنع من هذه المعاملات الربوية، وعقوبة من يفعلها، ورد الناس فيها إلى رءوس أموالهم؛ دون الزيادات؛ فإن هذا من الربا الذي حرمه الله ورسوله. وقد قال تعالى: {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز هذا السؤال: منذ حوالي عشرين عاما، أدان والدي مبلغ (2000) ريال لصديقين له، لكل واحد منهما (1000) ريال، على أن يتم إرجاع المبلغ بعد مضي عام مع زيادة قدرها (500) ريال على كل (1000) ريال .. ثم توفي والدي قبل أن يسترد نقوده، فاستردتهم والدتي، وقد دفع أحد الرجلين مبلغا بدون زيادة، بينما دفع الآخر الزيادة الربوية ... وأرجو أن ترشدوني إلى ما أعمل لأكفر عن والدي ذنبه؟ أيضا ماذا أعمل بخصوص الربا الذي أخذته والدتي عند إرجاع دين أسرتنا .. ؟
فأجاب: عليك أن ترد الزيادة، وهي خمسمائة على صاحبها؛ لأنها ربا، وتدعو لوالدك بالمغفرة والعفو. اهـ.
وعلى ذلك، فلا يجب عليكم ـ بل يحرم ـ أن تردوا الزيادة الربوية؛ لأنكم غير مضطرين لذلك؛ فكما جاء في السؤال أنكم من الناحية القانونية غير ملزمين بسداد بقية الدين أصلا. فمن رفض أخذ حقه دون فائدته الربوية، فليدفع له ما يساوي رأس المال دون زيادة، وهذا لا يضر الميت؛ فإن ذمته خالية شرعا إلا من رأس المال.
ولا حرج أن يكون قضاء رأس مال الدين من طريق المحامي الموكل من صاحب الدين.
وأما مسألة دفع الدين للشركة المفلسة: فإن كانت هناك جهة هي المسؤولة عن قبول ديونها والتزاماتها، فلا حرج في دفع الحق إليها؛ لتعذر دفعه لأعيان الشركاء، وقد قال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن:16}.
وأما من مات من أصحاب الدين، فالحق ينتقل إلى ورثتهم، فإذا تعذر الوصول إليهم، تصدق به عنهم، مع ضمانه لهم إذا أمكن الوصول إليهم بعد ذلك، ولم يرضوا بثواب الصدقة. وراجع الفتوى رقم: 253660 وما أحيل عليه فيها.
وهذا على افتراض أن المتوفى ترك مالا، أما إذا لم يكن قد ترك مالا، وإنما تودون التبرع عنه بسداد دينه، فهذا التبرع من أعظم البر به، والإحسان إليه؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وصححه الألباني.
قال الشوكاني في (نيل الأوطار): فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه … اهـ.
علما بأن ما في ذمته شرعا هو رأس مال الشركة -كما سبق- وليست الزيادة الربوية.
والله أعلم.