السؤال
بارك الله فيكم، وجزاكم عنا خيرا على مجهودكم المبارك.
سيدي الفاضل: هل ثبت أن أحدا من العلماء المعتبرين، أفتى بهدم قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟
ابن تيمية - ابن باز - الألباني - ابن القيم - محمد بن عبد الوهاب، وغيرهم رحمهم الله جميعا.
بارك الله فيكم، وجزاكم عنا خيرا على مجهودكم المبارك.
سيدي الفاضل: هل ثبت أن أحدا من العلماء المعتبرين، أفتى بهدم قبر النبي عليه الصلاة والسلام؟
ابن تيمية - ابن باز - الألباني - ابن القيم - محمد بن عبد الوهاب، وغيرهم رحمهم الله جميعا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أحدا من أهل العلم أفتى بذلك، وإنما كلامهم في مسألتين:
ـ الأولى: مسألة القبة التي بنيت فوق المسجد النبوي، مما يلي قبره الشريف صلى الله عليه وسلم، فهذه هي التي ينص بعض أهل العلم على إنكارها، ويرغب في هدمها.
كما سئل الشيخ ابن عثيمين في تعليقه على كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم): ما رأيكم في القبة المبنية فوق قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: هذه القبة لا شك أنها غلط، ولا أحد يقرها، جميع العلماء لا يرون أنها جائزة، لكن قد يتخلفون عن هدمها لأسباب أخرى. اهـ. وراجع كلام الشيخ ابن باز في موقعه على الإنترنت.
فينبغي هنا التفريق بين الحجرة النبوية، وبين القبة التي أحدث بناؤها في أواخر القرن السابع الهجري، فالحجرة النبوية، أو القبر النبوي يستحب زيارته لمن أتى المدينة المنورة، بلا خلاف بين أهل العلم.
وأما الإفتاء بهدمه، فلا نعلم قائلا به من أهل العلم لا سلفا، ولا خلفا، وقد شنع بعض المبطلين على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بهذا القول، وهو منه بريء. جاء في رسائله الشخصية، بعد جوابه لأهل القصيم في بيان عقيدته إجمالا، ذكر المسائل التي شنع بها عليه سليمان بن سحيم. قال الشيخ: منها ما هو من البهتان الظاهر، وهي قوله: إني مبطل كتب المذاهب ... وقوله: إني أقول: لو أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة، لأخذت ميزابها، وجعلت لها ميزابا من خشب. وقوله: إني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ... فهذه اثنتا عشرة مسألة، جوابي فيها أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم. اهـ. الدرر السنية في الأجوبة النجدية.
ـ وأما المسألة الثانية: فهي مسألة إدخال حجرة عائشة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك عندما أمر بتوسعة المسجد. فهذا مما كرهه بعض أهل العلم؛ رغبة في إبقائها خارج المسجد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم، ونقص إيمانهم، عوضوا ذلك بما أحدثوه من البدع، والشرك وغيره. ولهذا كرهت الأئمة استلام القبر وتقبيله، وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه. فكانت حجرة عائشة التي دفنوه فيها منفصلة عن مسجده .. ومضى الأمر على ذلك في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وزيد في المسجد زيادات وغير، والحجرة على حالها، هي وغيرها من الحجر المطيفة بالمسجد من شرقيه وقبليه، حتى بناه الوليد بن عبد الملك، وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة، فابتاع هذه الحجر وغيرها، وهدمهن، وأدخلهن في المسجد، فمن أهل العلم من كره ذلك، كسعيد بن المسيب، ومنهم من لم يكرهه. اهـ.
وقال في (مجموع الفتاوى): ثم بعد ذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان بنحو من سنة من بيعته، وسع المسجد، وأدخلت فيه الحجرة للضرورة، فإن الوليد كتب إلى نائبه عمر بن عبد العزيز أن يشتري الحجر من ملاكها ورثة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهن كن قد توفين كلهن -رضي الله عنهن- فأمره أن يشتري الحجر، ويزيدها في المسجد. فهدمها، وأدخلها في المسجد، وبقيت حجرة عائشة على حالها، وكانت مغلقة لا يمكن أحد من الدخول إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا لصلاة عنده، ولا لدعاء ولا غير ذلك ... وكانت ولايته بعد ثمانين من الهجرة، وقد مات عامة الصحابة، قيل: إنه لم يبق بالمدينة إلا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فإنه آخر من مات بها في سنة ثمان وسبعين قبل إدخال الحجرة بعشر سنين. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 305722.
والله أعلم.