الفهم الصحيح لقاعدة: من لم يكفر الكافر فهو كافر

0 267

السؤال

كنت قد أرسلت سؤالا، وأحلتموني على إجابة أخرى.
بالله عليكم أجيبوني، ولا تحيلوني لأسئلة أخرى.
هناك سيدة من مصر، في الأخبار، قالت: إن ميدان التحرير، أقدس من مكة، أو المسجد الحرام.
ما حكم هذا الكلام؟
وهل سب المقدسات مثل مكة، أو المسجد الحرام كفر؟ وهل هذا من المعلوم من الدين بالضرورة؟
يعني قبل أن أسألكم هل كان يجب علي اعتقاد أن سب المقدسات، أو تفضيل غيرها عليها كفر؟
وهل أنا في هذه الحالة منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة؟ وهل كل حادثة تحدث، يجب أن أسأل عن الحكم فيها، أم أسكت؟
أريد قاعدة عامة، تجعلني أعتقد أن هذا الأمر أمر كفري أو لا حتى أرتاح؛ لأني موسوس في العقيدة؟
ومسألة من لم يكفر الكافر، فهو كافر.
وأيضا قال الخطيب في الخطبة: إننا لو جلسنا نتحدث طول العمر عن فضل الاستغفار (أو أي أمر في الدين) لما انتهينا.
فهل هذا على سبيل المبالغة أم لا؟
وهل شكي في هذا الأمر، يعتبر شكا في الدين؟
وهل يترتب عليه شيء؟ وماذا يجب علي أن أعتقد في هذه المسألة؟ وما هي الأشياء التي ليست لها حدود، أو حصر في الدين مثل نعم الله مثلا؟
وهل من يعترف بوجوب الصلاة، لكنه يقول إنها ليست مهمة، وأنه سيدخل الجنة بقول لا إله إلا الله، على اعتبار أن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك. هل يحكم بكفره أم يعتبر لم ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟
أسألكم بالله، أسألكم بالله، أسألكم بالله، أسألكم بالله لا تحيلوني على أسئلة أخرى، أجيبوني حتى أرتاح، ارحموا عذابي من الوسواس.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن يشكو من الوسواس القهري ـ كما ذكر السائل عن نفسه في هذا السؤال، وأسئلته السابقةـ لا تصح مجاراته في كل أسئلته، ولاسيما فيما يتعلق بمسائل الكفر والإيمان، بل النصح له يقتضي نهيه عن الاسترسال فيها بما يزيد من وسوسته، ومرضه، وأرقه!

واستمع لهذه النصيحة الذهبية:

فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة، هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافة، وإن كان في النفس من التردد ما كان؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك، لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون. وأما من أصغى إليها، وعمل بقضيتها؛ فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها، وأصغوا إليها وإلى شيطانها ...

فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته. واعلم أن من حرمه، فقد حرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة، ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا) [فاطر: 6] ...

وذكر العز بن عبد السلام وغيره، نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأنه يقاتله فيكون له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فر عنه. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 60628.

والذي يمكن إجماله هنا، هو التنبيه على أن مثل هذه المقولات الشنيعة: (ميدان التحرير أقدس من مكة)، (الصلاة ليست مهمة) وأشباهها، وإن كانت خطأ محضا، ومخالفتها للنصوص الشرعية واضحة، إلا إن إطلاق الحكم بكفر قائلها لا يصح؛ لوجود موانع كالجهل، والتأويل، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 206329.
ولعل ما يؤرق السائل هو اعتقاده أن الامتناع عن التكفير بمثل ذلك يوقعه هو في الكفر، والعياذ بالله، بناء على قاعدة: (من لم يكفر الكافر، فهو كافر) كما ذكر في سؤاله!!! وهذا خطأ فظيع؛ لأن محل هذه القاعدة في الكفر المعلوم من الدين بالضرورة، ككفر اليهود والنصارى، والمجوس ونحوهم من الكفار الأصليين، ولا يصح ذلك في حال الحكم بردة المسلم الذي يقع في عمل من أعمال الكفر بجهل، أو شبهة، دون إقامة الحجة عليه، وراجع في ذلك الفتويين: 98395، 53835.
وأما قول الخطيب في خطبته: (لو جلسنا نتحدث طول العمر عن فضل الاستغفار لما انتهينا) فهو بالفعل على سبيل المبالغة، فإن فضل الاستغفار وأثره، وثوابه وإن كان عظيما، لا يمكننا الإحاطة به، إلا أن كلامنا وحديثنا عنه، له حد ينتهي إليه بلا ريب.

وبالتالي فلا داعي لأسئلة السائل: هل الشك في هذا الأمر يعتبر شكا في الدين؟ وهل يترتب عليه شيء؟ ونحو ذلك من الأسئلة، وما هي في الحقيقة إلا أثر من آثار الوسوسة، التي نشد على يد السائل في الإعراض عنها، وعدم الاسترسال معها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة