معارضة أحكام الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

0 155

السؤال

هل هناك أمثلة من أيام النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة، والخلفاء على مسلمين كبعض مسلمي هذه الأيام، ممن يعارضون أحكاما صريحة للإسلام عن جهل، أو غيره؟ وماذا كان رد النبي صلى الله عليه وسلم، أو أصحابه على ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فمعارضة أحكام الإسلام الصريحة يمكن إجمالها في نوعين:

النوع الأول: معارضة بمعنى ارتكاب معصية من المعاصي، كالزنا، وشرب الخمر، وغيرهما، وهذه قد وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رد النبي صلى الله عليه وسلم على مرتكبيها أن يعظهم، وينهاهم عنها، كما أنه كان يحث على الستر على مرتكبيها، ثم إذا كان ذنبا يوجب حدا، أقام الحد على صاحبه إن أقر بذنبه، أو شهد عليه به، وكذلك كان أصحابه من بعده يقيمون الحدود.

ويوضح ذلك ما قاله ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد: وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصنين، فممن رجم ماعز الأسلمي، والغامدية، والجهنية، والتي بعث إليها أنيسا، ورجم عمر بن الخطاب سخيلة بالمدينة، ورجم بالشام، وقصة الحبلى التي أراد رجمها، فقال له معاذ بن جبل: ليس لك ذلك، للذي في بطنها، فإنه ليس لك عليه سبيل، وعرض مثل ذلك لعثمان بن عفان، مع علي في المجنونة الحبلى، ورجم علي شراحة الهمدانية، ورجم أيضا في مسيره إلى صفين رجلا أتاه مقرا بالزنا، وهذا كله مشهور عند العلماء. انتهى.

وثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله، ورسوله.

والنوع الثاني من معارضة أحكام الإسلام الصريحة: أن تكون عن نفاق وشك، أو مرض في القلب، وذلك كحال المنافقين الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكحال الخارجي الذي لم يرض بقسمة النبي صلى الله عليه وسلم، وكحال الذي خاصم الزبير، فلم يقبل حكم الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: اسق -يا زبير- ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؛ فتلون وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا زبير، اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر. فقال الزبير: والله، إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا {النساء:65}. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.

وعن جابر بن عبد الله، قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم هوازن بين الناس بالجعرانة، قام رجل من بني تميم، فقال: اعدل يا محمد، فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل " قال: فقال عمر: يا رسول الله، ألا أقوم فأقتل هذا المنافق، قال: "معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمدا يقتل أصحابه"، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا وأصحابا له يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق المرماة من الرمية. رواه أحمد، وابن ماجه.

وأما رد وتعامل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والعلماء من بعدهم مع هذا الصنف، فيبنه الإمامان النووي، وابن القيم -رحمهما الله - حيث قال النووي في شرح مسلم: قال ‏العلماء: ولو صدر مثل هذا الكلام ‏الذي تكلم به الأنصاري -يعني قوله: ‏‏"أن كان ابن عمتك"ـ اليوم من ‏إنسان، من نسبته صلى الله عليه ‏وسلم إلى هوى، كان كفرا، وجرت ‏على قائله أحكام المرتدين، فيجب ‏قتله بشرطه، قالوا: وإنما تركه النبي ‏صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان في ‏أول الإسلام يتألف الناس، ويدفع ‏بالتي هي أحسن، ويصبر على أذى ‏المنافقين، ومن في قلبه مرض، ‏ويقول: يسروا، ولا تعسروا، ‏وبشروا، ولا تنفروا، ويقول: لا ‏يتحدث الناس أن محمدا يقتل ‏أصحابه، وقد قال الله تعالى: {ولا ‏تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا ‏منهم فاعف عنهم واصفح إن الله ‏يحب المحسنين}. انتهى.

وقال ابن القيم في زاد المعاد، وهو يتكلم عن سبب ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل المنافقين وغيرهم ممن عارضوا حكمه: فالجواب الصحيح إذن: أنه كان في ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليف القلوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع كلمة الناس عليه، وكان في قتلهم تنفير، والإسلام بعد في غربة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص شيء على تأليف الناس، وأترك شيء لما ينفرهم عن الدخول في طاعته، وهذا أمر كان يختص بحال حياته صلى الله عليه وسلم، وكذلك ترك قتل من طعن عليه في حكمه بقوله في قصة الزبير وخصمه: أن كان ابن عمتك، وفي قسمه بقوله: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، وقول الآخر له: إنك لم تعدل، فإن هذا محض حقه، له أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس للأمة بعده ترك استيفاء حقه، بل يتعين عليهم استيفاؤه، ولا بد. انتهى.

وراجع الفتوى رقم: 35564 في معرفة موقف أبي بكر -رضي الله عنه- في مانعي الزكاة، والفتوى رقم: 72035 في معرفة موقف عمر -رضي الله عنه- فيمن شرب الخمر متأولا.
 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة