سبيل معرفة خواطر الشيطان ووعيده للمؤمن بالشر

0 248

السؤال

أولا: أشكركم شكرا جزيلا على موقعكم الرائع، وجهودكم في خدمة الناس؛ فلقد خدمني موقعكم كثيرا، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، وأعتذر عن الإطالة.
كنت قد أرسلت إليكم سؤالا قبل ذلك، السؤال رقم: 288352 وأخبرتكم فيه أن الله ألهمني، وعرفني أنني من أهل النار.
وقد رددتم علي، وأخبرتموني أن هذا إلهام من الشيطان، وأعطيتموني ذكرا للتحصن ضد الشيطان. ولكني لا أعلم لماذا جزمتم بأن هذا الإلهام من الشيطان، فما المانع أن يلهم الله عبدا أنه من أهل النار؟
أريد أن أعلم الموانع التي تمنع أن يلهم الله عبدا أنه من أهل النار؛ لكي يطمئن قلبي؟ فأنا والله كثيرا ما يئست من رحمة الله، وكثيرا ما كرهت نفسي، وأحيانا أشعر بكره تجاه ربي -والعياذ بالله- وأصبحت أكره الناس، وأحقد عليهم؛ لظني أن الله ألهمني أني من أهل النار.
فأرجوكم اعطوني أسبابكم، التي جعلتكم تحكمون أن هذا إلهام شيطاني، وليس ربانيا، بالدليل من القرآن، والسنة، باستفاضة، خاصة وأنني كنت قرأت في كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين (جهنم) من رأى أنه أسود الوجه، أزرق العينين، وكان تأويلها أنه سيصاحب عدو الله، ويعاقبه الله يوم القيامة، مما يعني أن ذلك من الممكن أن يحدث، من الممكن أن يعلم الله عبده عن طريق الرؤيا أنه من أهل النار، فهذا عالم جليل سواء كان كاتب الكتاب هو ابن سيرين، أو النيسابوري.
وأرجو أيضا تعليقكم على الرؤيا التي ذكرتها، مع العلم أني لم أر تلك الرؤيا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأمر أظهر من أن يحتاج إلى استدلال! ولا ندري كيف، ولماذا جزم السائل بأن الله ألهمه أنه من أهل النار!!!! وهذا أمر لا يمكنه أن يقيم عليه دليلا من عقل، أو شرع! ثم هو هو الذي يطالب بالدليل من القرآن، والسنة على أن ما أصابه ليس من وسوسة الشيطان!!! 
وعلى أية حال، فقد نص القرآن على سعي الشيطان لإحزان أهل الإيمان، كما قال تعالى: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا [المجادلة: 10].

  قال الراغب في (المفردات): الحزن والحزن: خشونة في الأرض، وخشونة في النفس، لما يحصل فيه من الغم، ويضاده الفرح، ولاعتبار الخشونة بالغم قيل: خشنت بصدره: إذا حزنته. اهـ.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أنواع الإحزان والتخويف، وهي الأحلام المؤذية المحزنة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة. رواه ابن ماجه، وصححه البوصيري والألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: الرؤيا ثلاثة: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس. رواه مسلم، وفي رواية للبخاري: وتخويف الشيطان.
ويزداد الأمر وضوحا بتدبر قول النبي الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه الألباني في صحيح موارد الظمآن.

قال الصنعاني في (التنوير): "ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان" أي فليعلم أنه من الشيطان فليتعوذ منه. وهذه هي الخواطر، سميت بذلك لأنها تخطر بالقلب بعد أن كان غافلا عنها.

واعلم أن الخواطر تنقسم إلى ما يعلم قطعا أنه داعي الشر، فلا يخفى كونه وسوسة، وإلى ما يعلم كونه داعي الخير، فلا يشك في كونه إلهاما، وإلى ما يتردد فيه، فلا يدري أن من أي القبيلين؛ فإن من مكائد الشيطان أنه يعرض الشر في معرض الخير، والتميز بينهما غامض، فحق بالعبد أن يقف عند كل هم يصدر له، ليعلم أن لمة الملك، أو لمة الشيطان، وأن يمعن النظر فيه بنور البصيرة، لا هواء الطبع، ولا يطلع عليه إلا بنور اليقين، وغزارة العلم: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} [الأعراف: 201]. اهـ.
وقال الكرماني في (شرح المصابيح): "فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر" كالكفر، والفسق. "وتكذيب بالحق" كأحوال القيامة، والقبر. اهـ.
وأي إيعاد بالكفر فوق قول السائل في بيان أثر هذه الوسوسة الشيطانية المقيتة: (وأحيانا أشعر بكره تجاه ربي) !!!
فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وأعرض عن هذه الوسوسة الشيطانية الخبيثة، وأقبل على الله تعالى بالتوبة، والإنابة، والاستقامة على طاعته، واستعن على ذلك بالرفقة الصالحة، وتدبر القرآن المجيد، وبتعلم العلم النافع. وإياك أن يظفر منك الشيطان بالقنوط، واليأس من رحمة الله، فإن ذلك شعبة من شعب الكفر، والعياذ بالله.

وراجع في ذلك  الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 57184، 250888، 272617.

وراجع فيما يخص كتاب تفسير الأحلام المنسوب لابن سيرين، الفتوى رقم: 304972.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة