موقف المسلم من رمي الأوراق المشتملة على اسم الجلالة

0 268

السؤال

منذ حوالي شهر ونصف أتتني وساوس قوية، فذهبت إلى طبيبة ووصفت لي فافرين كل يوم مرة صباحا، وليلا سيروكسات، وسرت على العلاج فترة، فتحسنت حالتي ـ والحمد لله ـ أياما عديدة، ثم رجعت حالتي تسوء ثانية، وقد قرأت أن من يرمي ورقة بها اسم الله فقد كفر، والشوارع ممتلئة بورق الجرائد... وعندما أراها أخاف ولا أعرف ماذا أفعل، أهملت دراستي ولم أعد أساعد أمي في المنزل كما كنت من قبل، وأصبحت أخاف من شراء المنتجات خوفا من وجود اسم الله عليها، ولا أعرف هل علي البحث والقراءة في كل المنتجات التي أشتريها؟ وعندما أرى إحدى صديقاتي تستعمل أكياسا عليها اسم الله وتضع بها طعاما... لا أعرف كيف أتصرف، وأقول لها، فتكررها، فهل أترك مصاحبتها، وأخاف النزول خوفا من أن يكون خروجي للترفيه حراما.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزى الله السائلة خيرا على حرصها على الاستقامة والحجاب وعلى تعظيم اسم الله وصيانته عن الابتذال، فإن هذا من تعظيم شعائر الله الدال على تقوى القلوب، قال سبحانه: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {الحج:32}.

فلا شك ولا خلاف في لزوم تعظيم اسم الله تعالى، وعدم جواز تعمد رميه في الشارع وفي القمامة، ولكنه لا يحصل الكفر إلا بتعمد فعل ذلك على سبيل الامتهان، ورفع الأوراق المشتملة على اسم الجلالة مطلوب، ولكن ينبغي أن يتم ذلك بما لا يوقع في الحرج والمشقة، فقد قال الله تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون {المائدة:6}.

وقال سبحانه: هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج {الحج:78}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره. رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا. رواه البخاري.

قال ابن حجر: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب، قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع.. وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة، وخير دينكم اليسرة ـ وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع. انتهى.

وبهذا يعلم أن تشديدك على نفسك في هذا الباب من الوسوسة المذمومة، وهي باب مشهور للوقوع في العنت والمشقة فلا تفتحي على نفسك هذا الباب، واكتفي بحفظ أو إحراق أو دفن ما وجدته ورأيته بالفعل مما فيه اسم الله تعالى دون تعمق وتفتيش، فإن العبد إذا فتح على نفسه باب الوسوسة وقع فريسة للشيطان، يلبس عليه ويصرفه عن أعماله، كما وقع للسائلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون، قالها ثلاثا. رواه مسلم.

قال النووي: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. انتهى.

وننصحك بالتعوذ من الوسواس الخناس، وبالإكثار من الذكر، وبشغل نفسك عن الوسوسة بمواصلة التعلم والدعوة إلى الله، ومساعدة أمك وغيرها في تدبير أمور المنزل وما أشبه ذلك، وإذا رأيت من صديقاتك من يتهاون بالأوراق التي تحوي اسم الجلالة فانصحيها برفق وحكمة، وحسبك هذا النصح، وفي فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز أن يضع المسلم متاعه أو حاجته في أوراق كتب فيها سور وآيات من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية، ولا أن يلقي ما كتب فيه ذلك في الشوارع والحارات والأماكن القذرة، لما في ذلك من الامتهان وانتهاك حرمة القرآن والأحاديث النبوية وذكر الله... ويكفيك للخروج من الإثم والحرج أن تنصح الناس بعدم استعمال ما ذكر فيما فيه امتهان، وأن تحذرهم من إلقاء ذلك في سلات القمامة وفي الشوارع والحارات ونحوها، ولست مكلفا بما فيه حرج عليك من جعل نفسك وقفا على جمع ما تناثر من ذلك في الشوارع ونحوها، وإنما ترفع من ذلك ما تيسر منه دون مشقة وحرج. اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات