حكم طلاق المصاب بوسواس قهري

0 155

السؤال

أعتذر من موقعكم عن كثرة الأسئلة، وأستحلفكم بالله أن تجيبوني بفتوى صريحة؛ فأنا مبتلى بوسواس قهري منذ زمن، وأخشى إن شافهت عالما، أو فقيها أن أزل، ولا ينطلق لساني، ولا ثقة لي إلا بموقعكم، وإني أعاهدكم أمام الله أن يكون هذا آخر أسئلتي حول نفس المسألة؛ فلا تبخلوا علي بعلمكم.
إن اتسع صدركم لدي عدة أسئلة، أرجو الإجابة عنها جميعا:
في الحالة الأولى: سألت زوجتي عن فعل أتت به، فأنكرت؛ فقلت لها: " لقد كذبت علي، خدعتني، أوهمتني"؛ فقالت: " ما خدعتك"، وأصرت على إنكارها؛ فقلت لها: " لقد كذبت علي، خدعتني، أوهمتني؛ أنكري واحدة، وأنت طالق"، وإنما أردت بذلك أن أضع حدا لإنكارها، ولم أنو بذلك الطلاق.
فما حكمها؟
في الحالة الثانية: نشب شجار بيني وبين زوجتي على إثر فعل أتت به؛ فقلت لها: " أعيديها وأنت طالق "، ولا أجزم بنيتي حينها، وإنما أعلم من نفسي أني لو أردت طلاقها؛ لما كنت أمهلتها.
في الحالة الثالثة: أغضبتني منها كلمة، وربما كررتها مرارا؛ فقلت لها: " أعيديها وأنت طالق"، أريد منعها من تكرار تلك الكلمة مجددا.
فما حكمها؟
في الحالة الرابعة: نشب شجار بيني وبين زوجتي، فالتجأت إلى بيت والدي، وأرادت المبيت عنده؛ فقلت لها: " إذا نمت خارج بيتك، فأنت طالق"، أريد منعها من المبيت عنده.
فهل وقع بهذا طلاق؟
أما عن حالتي؛ فأنا وإن لم أكن أعاني حينها من وسواس الطلاق، إلا أني مبتلى بوسواس قهري منذ زمن؛ فكنت سريع الغضب من ضيق الصدر الناتج عن الوسوسة في شؤوني كلها.
وأما عن نيتي؛ فلا أجزم بنيتي حينها، وإنما وعملا بأول خاطر؛ فلم أنو بها الطلاق، وإنما أردت منعها.
وقد حنثت بها جميعا في حينها، وعاشرتها من بعدها معاشرة الأزواج، وأنجبت منها طفلين، ولم أستفت فيها عالما أو فقيها؛ فأستغفر الله على ما فرطت، ولم أقلد مذهبا فقهيا، ثم احتسبتها بفطرتي أيمانا مكفرة، ولم أحتسبها طلاقا، إلى أن وقعت على قول ابن تيمية في المسألة فأخذت به.
فهل تحل لي من بعدها؟
وهل علي وزر بعدم التقدم لطلب الفتوى، أو مشافهة أحد العلماء في حينها، وهل يترتب على ذلك حكم شرعي، أم إن العبرة هي في وقوع الطلاق، أو عدمه؟
وفي الحالة الخامسة: كنت فيما مضى قد طلقت زوجتي وهي حائض، جاهلا بالحكم الشرعي، وبحرمة طلاق المرأة في الحيض؛ فلم أخبر من أفتاني بحال زوجتي من الحيض، كما لم يستبن هو عن حالها؛ وعلى ذلك فقد احتسبها طلقة؛ فراجعت زوجتي عملا بمقتضى الفتوى، إلا أنها حاكت في نفسي، ولم أنو التزامها، أو أحتسبها طلقة إلى أن أستبين حكمها؛ ثم وقعت على قول ابن تيمية في المسألة، فأخذت به إيمانا بصوابه، وليس تتبعا للرخص.
فهل علي وزر؟
وقد علمت مؤخرا أن من قلد مجتهدا، فليس له أن يعدل عن رأيه إلى غيره في نفس النازلة، وأن الرخصة في ذلك إنما هي للموسوس؛ وأنا وإن لم أكن أعاني حينها من وسواس الطلاق، إلا أني مبتلى بوسواس آخر في المسألة؛ فلو كنت احتسبتها طلقة عملا بقول الجمهور، لهان علي فراقها، ولقلت في نفسي "إن احتسبتها طلقة؛ فلا حاجة لك بها؛ فطلقها واسترح"
فهل لي أن أعمل بهذه الرخصة، وإن لم أكن أعاني حينها من وسواس الطلاق؛ خاصة وأني بدأت أوسوس بأيماني السابقة، وبنيتي فيها، وما وقع منها؟
نفع الله بكم، وبعلمكم، وجزاكم عن أمة الإسلام خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد صرحت في سؤالك بأنك مصاب بوسواس قهري منذ زمن، ومن كان في مثل حالك، لا يقع طلاقه، كما بين ذلك الفقهاء.

  قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: وعن الليث لا يجوز {أي لا يمضي} طلاق الموسوس، يعني المغلوب في عقله، عن الحاكم: هو المصاب في عقله إذا تكلم، تكلم بغير نظام. اهـ.

وقال المواق المالكي في كتابه التاج والإكليل: سمع عيسى في رجل توسوسه نفسه فيقول: قد طلقت امرأتي، أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده، أو يشككه، فقال: يضرب عن ذلك، يقول للخبيث صدقت، ولا شيء عليه.

ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة، أن الموسوس لا يلزمه طلاق، وهو مما لا طلاق فيه، لأن ذلك إنما هو من الشيطان، فينبغي أن يلهى عنه، ولا يلتفت إليه. اهـ.
وقال الإمام الشافعي في كتاب الأم: ... ومن غلب على عقله بفطرة خلقة، أو حادث علة، لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية، لم يلزمه الطلاق، ولا الصلاة، ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه، والمجنون، والموسوس، والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله. اهـ.

فزوجتك لا تزال في عصمتك، وإذا أردت السلامة، فأعرض عن هذه الوساوس ولا تلتفت إليها، ولا تسأل أحدا عن حالات الطلاق هذه، فإن إجابتك عنها حسب كل حالة لن يزيدك إلا اضطرابا وحيرة.

 واجتهد في سبيل معالجة نفسك من هذه الوساوس بالسبل المشروعة، وذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 3086. ولا بأس بأن تراجع طبيبا نفسيا ثقة، وخبيرا عسى أن يصف لك بعض العلاج، والعقاقير التي قد تعين في تخفيف آثار هذه الوساوس.

نسأل الله لك العافية، والسلامة من كل بلاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات