السؤال
أصلي الفرض والسنة ـ ولله الحمد ـ ولكنني لا أخشع في الصلاة، وكثير السهو، ومهما حاولت فإنني لا أستطيع التركيز، وعندما قرأت هذا الحديث أصبحت قلقا، فما صحة هذا الحديث وما معناه؟ رواه هشام بن عمار في حديثه، فقال حدثنا سعيد، محمد بن عمرو، عن مشيختهم قالوا: قال أبو هريرة: إن الرجل ليصلي ستين سنة، ما يقبل الله منه صلاة، لعله يتم الركوع، ولا يتم السجود، ويتم السجود، ولا يتم الركوع ـ وقد قرأت هذا الحديث عن عمر أنه كان لا يخشع في الصلاة ، وهو من المبشرين بالجنة، قال تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ـ المصنف: ابن أبي شيبة الكوفي، ج 2ـ ص 313 ـ 314، حدثنا أبو بكر قال: ثنا حفص عن هشام بن عروية عن أبيه قال: قال عمر: إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة ـ حدثنا حفص عن عاصم عن أبي عثمان الهندي قال: قال عمر: إني لأجهز جيوشي وأنا في الصلاة.
فأرجو أن تشرح لي هذا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن الخشوع هو روح الصلاة، لكن جمهور العلماء على أنه ليس شرطا لصحتها، فلا تبطل الصلاة لعدم وجوده فيها، ونعني بهذا أنه لا يطالب في الدنيا بإعادة الصلاة التي فقد فيها الخشوع، لكن ثوابها ينقص، وقد يذهب، وقد أوضحنا معنى الخشوع في الصلاة وما يترتب على عدم حصوله في الفتويين رقم: 4215، ورقم: 136409.
وبينا بعض الوسائل المعينة على تحصيله في فتاوى كثيرة, انظر منها الفتاوى التالية أرقامها: 124712، 199293، 283984.
وأما الحديث الذي ذكرته وهو حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل الله له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع. فقد ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: رواه أبو القاسم الأصبهاني، وينظر سنده ـ وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
وأما ما ذكرته عن عمر ـ رضي الله عنه ـ من أنه كان يجهز جيوشه وهو في الصلاة، فليس فيه أنه لم يكن خاشعا في صلاته، خصوصا من مثل عمر ـ رضي الله عنه ـ فإن كمال إيمانه لا ينكر أن يكون حاضر القلب في الصلاة مع تجهيزه جيوشه، أو أمر من أمور رعيته، وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية من استشكل أثر عمر ـ رضي الله عنه ـ بقوله رحمه الله: وأما ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة ـ فذاك لأن عمر كان مأمورا بالجهاد وهو أمير المؤمنين، فهو أمير الجهاد، فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة المصلي الذي يصلي صلاة الخوف حال معاينة العدو إما حال القتال وإما غير حال القتال، فهو مأمور بالصلاة ومأمور بالجهاد فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب الإمكان، وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ـ ومعلوم أن طمأنينة القلب حال الجهاد لا تكون كطمأنينته حال الأمن، فإذا قدر أنه نقص من الصلاة شيء لأجل الجهاد لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد وطاعته، ولهذا تخفف صلاة الخوف عن صلاة الأمن، ولما ذكر سبحانه وتعالى صلاة الخوف قال: فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ـ فالإقامة المأمور بها حال الطمأنينة لا يؤمر بها حال الخوف، ومع هذا: فالناس متفاوتون في ذلك، فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلاة مع تدبره للأمور بها، وعمر قد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه وهو المحدث الملهم، فلا ينكر لمثله أن يكون له مع تدبيره جيشه في الصلاة من الحضور ما ليس لغيره، لكن لا ريب أن حضوره مع عدم ذلك يكون أقوى ولا ريب أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حال أمنه كانت أكمل من صلاته حال الخوف في الأفعال الظاهرة، فإذا كان الله قد عفا حال الخوف عن بعض الواجبات الظاهرة فكيف بالباطنة، وبالجملة فتفكر المصلي في الصلاة في أمر يجب عليه قد يضيق وقته ليس كتفكره فيما ليس بواجب أو فيما لم يضق وقته، وقد يكون عمر لم يمكنه التفكر في تدبير الجيش إلا في تلك الحال وهو إمام الأمة والواردات عليه كثيرة، ومثل هذا يعرض لكل أحد بحسب مرتبته، والإنسان دائما يذكر في الصلاة ما لا يذكره خارج الصلاة، ومن ذلك ما يكون من الشيطان كما يذكر أن بعض السلف ذكر له رجل أنه دفن مالا وقد نسي موضعه فقال: قم فصل، فقام فصلى فذكره فقيل له: من أين علمت ذلك؟ قال: علمت أن الشيطان لا يدعه في الصلاة حتى يذكره بما يشغله ولا أهم عنده من ذكر موضع الدفن، لكن العبد الكيس يجتهد في كمال الحضور مع كمال فعل بقية المأمور ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى.
وقد نقلنا في الفتويين رقم: 268606، ورقم: 98015، كلام بعض أهل العلم في فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ فراجعهما.
والله أعلم.