السؤال
نريد منكم توضيح مدى صحة القول بأن الحديث الذي روته صحابية -من غير أمهات المؤمنين- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صحيح، أو غير حجة للعمل به؛ استنادا إلى عدم الاعتداد بشهادة المرأة منفردة، وذلك على الرغم من ثبوت أحاديث من هذا القبيل في الكتب الصحاح كصحيح البخاري، وغيره.
نريد من فضيلتكم توضيح المسألة، وإزالة اللبس.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فيكفي في معرفة بطلان هذا القول، أن أئمة الأحاديث قد تلقوا رواية الصحابيات من غير أمهات المؤمنين بالقبول، وإذا نظرنا في صحيح البخاري الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله، وقد تلقته الأمة بالقبول؛ لوجدنا فيه عدة أحاديث عن صحابيات من غير أمهات المؤمنين، وقد ذكرهن الحافظ في مقدمة الفتح فقال: أسماء بنت أبي بكر الصديق: ستة عشر حديثا، أسماء بنت عميس: حديث واحد، أميمة بنت خالد بن سعيد بن العاص أم خالد: حديثان ... خنساء بنت خذام: حديث واحد، خولة بنت قيس الأنصارية: حديث واحد، الربيع بنت معوذ الأنصارية: ثلاثة أحاديث ... زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد: حديثان، زينب الثقفية امرأة ابن مسعود: حديث واحد، سبيعة بنت الحارث الأسلمية: حديث واحد ... صفية بنت شيبة العبدرية: حديث واحد ... فاختة أم هانئ بنت أبي طالب الهاشمية: حديثان، فاطمة بنت قيس الفهرية: حديث واحد، فاطمة الزهراء بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: حديث واحد، لبابة أم الفضل: حديثان ... نسيبة أم عطية الأنصارية: خمسة أحاديث ... أم حرام بنت ملحان: حديثان، أم رومان والدة عائشة: حديثان، أم سليم الأنصارية: حديثان، أم شريك العامرية: حديث واحد، أم العلاء الأنصارية: حديث واحد، أم قيس بنت محصن الأسدية: حديثان، أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: حديث واحد، بنت خفاف بن أيماء: حديث واحد. انتهى. مع حذف أسماء أمهات المؤمنين من كلام الحافظ؛ لأن المقصود معرفة أن لغيرهن من الصحابيات، أحاديث في البخاري.
وأما الاحتجاج على رد رواية الصحابيات من غير أمهات المؤمنين، بعدم الاعتداد بشهادة المرأة منفردة، فغير صحيح؛ لأن العلماء ذكروا أن هناك فرقا بين الشهادة والرواية.
وممن ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- في بدائع الفوائد، فقال: الفرق بين الشهادة والرواية: أن الرواية يعم حكمها الراوي وغيره على ممر الأزمان، والشهادة تخص المشهود عليه، وله، ولا يتعداهما إلا بطريق التبعية المحضة، فإلزام المعين يتوقع منه العداوة، وحق المنفعة والتهمة الموجبة للرد، فاحتيط لها بالعدد، والذكورية، وردت بالقرابة والعداوة، وتطرق التهم، ولم يفعل مثل هذا في الرواية التي يعم حكمها، ولا يخص، فلم يشترط فيها عدد، ولا ذكورية، بل اشترط فيها ما يكون مغلبا على الظن صدق المخبر، وهو العدالة المانعة من الكذب، واليقظة المانعة من غلبة السهو، والتخليط. انتهى.
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله- في شرح ألفية العراقي: رواية المرأة مقبولة اتفاقا، وشذ من لم يقبل رواية المرأة، وأحاديث أمهات المؤمنين كتب السنة طافحة بها، حتى قبول رواية الأمة، وقبول رواية العبد، حديث بلال، مقبولة، وحديث بريرة في الصحيح، فهذه مما تختلف في الرواية عن الشهادة. انتهى.
والله أعلم.