معنى الصلاة والسلام على الأنبياء وحكم الاقتصار على أحدهما

0 183

السؤال

نقول عن الأنبياء: "عليهم السلام"، وأحيانا نقول: "عليهم الصلاة والسلام"، فما معناهما، والفرق بينهما، وأيهما ثابت؟ وما الدليل؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فتشرع الصلاة على جميع الأنبياء -صلى الله عليهم وسلم- وسبق أن قررنا ذلك في الفتوى رقم: 50240.

هذا، ويجوز الاقتصار على الصلاة على الأنبياء، أو الاقتصار على السلام عليهم، والأكمل الجمع بين الصلاة والسلام عليهم، وبذلك يحصل امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: صلوا عليه وسلموا تسليما [سورة الأحزاب: 56].

 وأما الاقتصار على الصلاة دون السلام، والعكس؛ فقد نص الإمام النووي على كراهة ذلك في مقدمة شرحه لصحيح مسلم، لكن الحافظ ابن حجر خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، أما من كان يصلي أحيانا، ويسلم أحيانا، ويجمع بينهما أحيانا؛ فهذا لا كراهة بالنسبة له، وللفائدة انظر الفتوى رقم: 80483.

ومعنى (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) عند جمهور العلماء: أنها من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء.

وذهب بعض المحققين من العلماء -كابن القيم، وغيره- إلى أن معنى (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) هو الثناء عليه في الملأ الأعلى، ويكون دعاء الملائكة، ودعاء بني آدم بالصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- هو أن يثني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، قال الشيخ ابن عثيمين في كتابه (الشرح الممتع): "قوله: صل على محمد قيل: إن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء.

فإذا قيل: صلت عليه الملائكة، يعني: استغفرت له.

وإذا قيل: صلى عليه الخطيب، يعني: دعا له بالصلاة.

وإذا قيل: صلى عليه الله، يعني: رحمه. وهذا مشهور بين أهل العلم، لكن الصحيح خلاف ذلك؛ أن الصلاة أخص من الرحمة؛ ولذا أجمع المسلمون على جواز الدعاء بالرحمة لكل مؤمن.

واختلفوا: هل يصلى على غير الأنبياء؟ ولو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فرق، فكما ندعو لفلان بالرحمة، نصلي عليه. وأيضا، فقد قال الله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} [سورة البقرة: 157]، فعطف الرحمة على الصلوات، والعطف يقتضي المغايرة، فتبين بدلالة الآية الكريمة، واستعمال العلماء -رحمهم الله- للصلاة في موضع، والرحمة في موضع، أن الصلاة ليست هي الرحمة. وأحسن ما قيل فيها: ما ذكره أبو العالية ـ رحمه الله ـ أن صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. فمعنى اللهم صل عليه أي: أثن عليه في الملأ الأعلى، أي: عند الملائكة المقربين.

فإذا قال قائل: هذا بعيد من اشتقاق اللفظ، لأن الصلاة في اللغة الدعاء، وليست الثناء.

فالجواب على هذا: أن الصلاة أيضا من الصلة، ولا شك أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى، من أعظم الصلات؛ لأن الثناء قد يكون أحيانا عند الإنسان أهم من كل حال، فالذكرى الحسنة صلة عظيمة. وعلى هذا؛ فالقول الراجح: أن الصلاة عليه، تعني: الثناء عليه في الملأ الأعلى. انتهى.

وقد ألف الإمام ابن القيم في هذه المسألة، كتابا اسمه: (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام)، حيث بسط البحث في بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفوائدها، وأحكامها، فليطالعه الراغب في التوسع.

وأما معنى: (السلام عليه صلى الله عليه وسلم) فهو الدعاء له -صلى الله عليه وسلم- بالسلامة من كل آفة تصيبه في بدنه (حال حياته)، أو بعد مماته في قبره الشريف، وبالسلامة من أهوال يوم القيامة، وبسلامة دينه، وسنته من عبث العابثين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، قال الشيخ ابن عثيمين في كتابه (الشرح الممتع): "قيل: إن المراد بالسلام: اسم الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله هو السلام رواه البخاري، ومسلم، كما قال عز وجل في كتابه: {الملك القدوس السلام} [سورة الحشر: 23].

وبناء على هذا القول؛ يكون المعنى: أن الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ، والكلاءة، والعناية، وغير ذلك، فكأننا نقول: الله عليك، أي: رقيب حافظ، معتن بك، وما أشبه ذلك. وقيل: السلام: اسم مصدر سلم بمعنى التسليم، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [سورة الأحزاب: 56]، فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا ندعو له بالسلامة من كل آفة.

إذا قال قائل: قد يكون هذا الدعاء في حياته عليه الصلاة والسلام واضحا، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسلامة، وقد مات صلى الله عليه وسلم؟

 فالجواب: ليس الدعاء بالسلامة مقصورا في حال الحياة، فهناك أهوال يوم القيامة؛ ولهذا كان دعاء الرسل إذا عبر الناس على الصراط: اللهم، سلم، سلم رواه البخاري ومسلم، فلا ينتهي المرء من المخاوف والآفات بمجرد موته.

إذن؛ ندعو للرسول صلى الله عليه وسلم بالسلامة من هول الموقف، ونقول أيضا: قد يكون بمعنى أعم، أي: أن السلام عليه يشمل السلام على شرعه، وسنته، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين؛ كما قال العلماء في قوله تعالى: {فردوه إلى الله والرسول} [سورة النساء:59]، قالوا: إليه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته ... انتهى.

وللفائدة انظر الفتوى رقم: 95452.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة