وقفات إيمانية قبل دخول رمضان وبعدما يدخل

0 255

السؤال

كيف يستعد المسلم للطاعات في رمضان، قبل أن يبدأ الشهر، بحيث يستطيع الثبات على الطاعات، والعبادات حتى نهايته، دون أن ينتكس؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن شهر رمضان شهر عظيم، حبيب إلى الله عز وجل، ويفرح بقدومه المؤمنون، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، ومردة الجان، ولا شك أن من كان عاقلا حازما، فإنه يحرص كل الحرص على استغلال ذلك الشهر، ويستعد له قبل دخوله؛ ويكون الاستعداد بما يأتي:
1- تذكر فضائله، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة. وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب. فإن سابه أحد، أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده؛ لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه.

 ويدخل في ذلك تذكر الفضائل العظيمة لليلة القدر، والتي من أهمها أن العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر.

ومن ذلك تذكر أنه أنزلت فيه أفضل الكتب، على أفضل الأنبياء عليهم السلام، قال الله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن {البقرة:185}.

وعن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان. رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني.

2- التوبة النصوح الصادقة، استجابة لنداء الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار [سورة التحريم: 8].

وتكون التوبة نصوحا إذا أقلع التائب عن الذنب في الحاضر، وندم على ما سلف منه في الماضي، وعزم على ألا يعود للذنب في المستقبل. وإن كان الحق لآدمي، رده إليه.
ثم يحافظ التائب على توبته بمراقبة نفسه، فإذا وقع في معصية، فإنه يبادر بالتوبة، والرجوع إلى الله من فوره، جاعلا نصب عينيه أن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. وأنه سبحانه ندبنا للمسارعة إلى التوبة إذا ضعفنا، فوقعنا في الذنب، كما قال تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين [سورة آل عمران: 133-136]، وقال: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم [سورة الزمر: 53]، وقال: ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما [سورة النساء: 110].
3- الاستعداد لرمضان بالصيام في شعبان؛ تدريبا للبدن وتهيئة له، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان. متفق عليه.

والذي يصوم في شعبان، يدخل عليه رمضان وقد تدرب على الصيام، وزالت عنه المشقة التي يجدها الناس في أول أيام الصيام، فإذا دخل رمضان، صامه نشيطا مجتهدا في العبادة، لا كسولا نؤوما متثاقلا.
4- الاستعداد لرمضان بالإكثار من قراءة القرآن في شهر شعبان؛ ليلين قلب الإنسان، ويتعود على الإكثار من قراءة القرآن في رمضان، فقد قال سلمة بن كهيل: كان يقال: "شهر شعبان شهر القراء"، وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن.

وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.

وقال أيضا: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان، فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!.
5- الاستعداد بالدعاء بإدراك رمضان، والانتفاع به، فقد قال كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، ويروى أنه كان من دعائهم: اللهم سلمني لرمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا.
6- الاستعداد بالعزم الأكيد على صيام رمضان، وقيام ليله، إيمانا واحتسابا، والاجتهاد في عبادة الله تعالى، ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة، فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها.

7- الاستعداد بمطالعة حال السلف، ونشاطهم في رمضان، فذلك حري بشحذ الهمة لاقتفاء أثرهم؛ ففي شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ القرآن في الجمعة إلى الجمعة، وفي رمضان يختمه في كل ثلاث.

وفي شعب الإيمان -أيضا- عن عبد الله بن مسعود أنه: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه، فيصلي بهم، فيقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكذلك يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة، ويقول: "عند كل ختمة دعوة مستجابة".

8- الاستعداد بالتفقه، وتعلم أحكام الصيام ومسائله؛ قبل مجيئه، ليكون الصوم صحيحا، مقبولا عند الله تعالى.
9- الاستعداد باستماع الأشرطة، والدروس المسجلة للمشايخ المعروفين، والتي تشتمل على فضائل رمضان، وما أعده الله للصائمين، وحال السلف في رمضان، وبيان كيفية حفظ المسلم لصومه؛ فإن ذلك يهيئ النفس، والروح لاستقبال هذا الشهر العظيم.

10- الاستعداد بقراءة بعض كتب الرقائق التي عنيت بالحديث حول رمضان، ومنها كتاب: لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي، وكتاب: نداء الريان في فقه الصوم، وفضائل رمضان لسيد حسين العفاني
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة