الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالكلام على هذه المسألة يدور على أصلين:
ـ الأول: معنى العيد، وكونه يحصل ولو لغير معنى ديني، فالعادات التي تتكرر بتكرر الأيام والأعوام داخلة في معنى العيد. وقد سبق أن بينا ذلك، وأشرنا إلى لزوم تحري مخالفة سنن الجاهلية وعاداتها، وذلك في الفتوى رقم: 130821. ومع ذلك، فقد سبق أن بينا البعد الديني للاحتفال بالأعياد، وذلك في الفتوى رقم: 203668.
ـ والثاني: أن التشبه المحظور بغير المسلمين لا يقتصر على قصد التشبه وانتوائه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): التشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه، وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك، إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير. فأما من فعل الشيء، واتفق أن الغير فعله أيضا، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبها نظر، لكن قد ينهى عن هذا لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة، كما أمر بصبغ اللحى، وإحفاء الشوارب، مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود. دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا، ولا فعل، بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية. اهـ.
وقد ذكر في كتابه هذا الفذ، دلائل الكتاب والسنة، والإجماع والآثار والاعتبار، على النهي عن التشبه بهم في الجملة، وأن مخالفتهم في هديهم مشروع، إما إيجابا، وإما استحبابا بحسب المواضع. وأن ما أمر به من مخالفتهم: مشروع، سواء كان ذلك الفعل مما قصد فاعله التشبه بهم، أو لم يقصد، وأن ما نهي عنه من مشابهتهم: يعم ما إذا قصدت مشابهتهم، أو لم تقصد. وقال: فإن عامة هذه الأعمال لم يكن المسلمون يقصدون المشابهة فيها، وفيها ما لا يتصور قصد المشابهة فيه، كبياض الشعر، وطول الشارب، ونحو ذلك.
ثم اعلم أن أعمالهم ثلاثة أقسام:
- قسم مشروع في ديننا، مع كونه كان مشروعا لهم، أو لا يعلم أنه كان مشروعا لهم، لكنهم يفعلونه الآن.
- وقسم كان مشروعا، ثم نسخه شرع القرآن.
- وقسم لم يكن مشروعا بحال، وإنما هم أحدثوه.
وهذه الأقسام الثلاثة: إما أن تكون في العبادات المحضة، وإما أن تكون في العادات المحضة، وهي الآداب. وإما أن تجمع العبادات والعادات، فهذه تسعة أقسام ... اهـ.
فذكر تفصيل القسمين الأولين، ثم قال: وأما القسم الثالث: وهو ما أحدثوه من العبادات، أو العادات، أو كليهما، فهو أقبح وأقبح؛ فإنه لو أحدثه المسلمون لقد كان يكون قبيحا، فكيف إذا كان مما لم يشرعه نبي قط؟ بل أحدثه الكافرون، فالموافقة فيه ظاهرة القبح. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين: إذا حصل التشبه، حصل المحذور، وثبت حكمه، سواء بقصد، أو بغير قصد. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 12329.
وللشيخ ابن باز مقال مختصر رد فيه مقالا نشرته صحيفة (الندوة) بعنوان: (تكريم الأم، وتكريم الأسرة) حبذ كاتبه من بعض الوجوه: ما ابتدعه الغرب من تخصيص يوم في السنة يحتفل فيه بالأم. فراجعه بطول لتمام الفائدة، وتجده على موقع الشيخ على الإنترنت.
وسئل الشيخ ابن عثيمين: عن حكم الاحتفال بما يسمى عيد الأم؟
فأجاب: إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية، كلها أعياد بدع حادثة، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام؛ وهي عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع "يوم الجمعة" وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك، فإنها مردودة على محدثيها، وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد". أي مردود عليه، غير مقبول عند الله. وفي لفظ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد".
وإذا تبين ذلك، فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد؛ كإظهار الفرح والسرور، وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه، ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم، الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه، ولا ينقص منه، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمعة يتبع كل ناعق، بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعا لا تابعا، وحتى يكون أسوة لا متأسيا؛ لأن شريعة الله -والحمد لله- كاملة من جميع الوجوه، كما قال الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة:3]. والأم أحق من أن يحتفى بها يوما واحدا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها، وأن يعتنوا بها، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان. اهـ.
وأما ما نقله السائل من ذكر مواسم الخير، كرمضان والحج، والجمعة، والثلث الأخير من الليل، فالفرق بينها وبين المواسم والأعياد البدعية، واضح جلي، فالمواسم الشرعية ليست من وضع الناس، ولا اجتهادهم؛ لزيادة إقبال الذاكر، وتذكير الناسي، وفتح باب للتصحيح! وإنما هي من وضع الشرع الحكيم. فإذا ضوهيت بأمر محدث، كان هذا هو عين الابتداع المذموم.
وأما المنع من الاحتفال بيوم الأم، فليس لرفض زيادة إقبال الذاكر، وتذكير الناسي، ولفتح باب التصحيح للمقصر! وإنما لما فيه من معنى العيد البدعي، والتشبه بسنة غير المسلمين. كما سبق أن أشرنا إليه، وأحلنا على الفتوى رقم: 130821.
وأما التفريق بين أنواع التشبه، وأحكامه، في العادات، فيمكن أن يستفاد أصله مما جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) حيث قال علماؤها: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، إما بعود السنة، أو الشهر، أو الأسبوع أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورا منها: يوم عائد كيوم عيد الفطر، ويوم الجمعة، ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.
ثانيا: ما كان من ذلك مقصودا به التنسك والتقرب، أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية أو نحوهم من طوائف الكفار، فهو بدعة محدثة، ممنوعة، داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد. رواه البخاري ومسلم.
مثال ذلك الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم؛ والعيد الوطني؛ لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، ولما في ذلك من التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار.
وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلا لمصلحة الأمة، وضبط أمورها؛ كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة، والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك مما لا يفضي به إلى التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد. فلا حرج فيه، بل يكون مشروعا. اهـ.
راجع في بقية الجواب الفتويين: 153595، 246031. والله أعلم.