السؤال
السؤال الأول: ما حكم من يقلد الكفار في شيء مباح مثل التدريب؟ حيث أتمنى أن أكبر وأكون مثل أحد الممثلين المتدربين، فما حكم تشبهي به؟.
السؤال الثاني: عند الصلاة هل نقرأ دعاء الاستفتاح والتعوذ، ومن ثم البسملة، وبسملة أخرى للفاتحة؟ أم تكفي مرة واحدة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمحاكاة الكفار في النافع من أمور الدنيا وأخذ صنوف العلم والحضارة التي تقدموا فيها عنهم مما لا حرج فيه، بل هو مما شهدت به النصوص، وأما محاكاتهم فيما كان من خصائص أديانهم الباطلة أو محاكاتهم في انكبابهم على الشهوات والملذات، فهذا هو المحظور المنكر، وقد بين العلامة الشنقيطي ـ رحمه الله ـ أوجه الاستفادة من الحضارة الغربية، وها نحن نسوق كلامه بطوله، لما فيه من الفائدة، قال رحمه الله: الاستقراء التام القطعي دل على أن الحضارة الغربية المذكورة تشتمل على نافع وضار: أما النافع منها فهو من الناحية المادية، وتقدمها في جميع الميادين المادية أوضح من أن أبينه، وما تضمنته من المنافع للإنسان أعظم مما كان يدخل تحت التصور، فقد خدمت الإنسان خدمات هائلة من حيث إنه جسد حيواني، وأما الضار منها فهو إهمالها بالكلية للناحية التي هي رأس كل خير، ولا خير ألبتة في الدنيا بدونها وهي التربية الروحية للإنسان وتهذيب أخلاقه، وذلك لا يكون إلا بنور الوحي السماوي الذي يوضح للإنسان طريق السعادة، ويرسم له الخطط الحكيمة في كل ميادين الحياة الدنيا والآخرة، ويجعله على صلة بربه في كل أوقاته، فالحضارة الغربية غنية بأنواع المنافع من الناحية الأولى، مفلسة إفلاسا كليا من الناحية الثانية، ومعلوم أن طغيان المادة على الروح يهدد العالم أجمع بخطر داهم، وهلاك مستأصل، كما هو مشاهد الآن، وحل مشكلته لا يمكن ألبتة إلا بالاستضاءة بنور الوحي السماوي الذي هو تشريع خالق السماوات والأرض، لأن من أطغته المادة حتى تمرد على خالقه ورازقه لا يفلح أبدا، والتقسيم الصحيح يحصر أوصاف المحل الذي هو الموقف من الحضارة الغربية في أربعة أقسام لا خامس لها حصرا عقليا لا شك فيه:
الأول: ترك الحضارة المذكورة نافعها وضارها.
الثاني: أخذها كلها ضارها ونافعها.
الثالث: أخذ ضارها وترك نافعها.
الرابع: أخذ نافعها وترك ضارها.
فنرجع بالسبر الصحيح إلى هذه الأقسام الأربعة، فنجد ثلاثة منها باطلة بلا شك، وواحدا صحيحا بلا شك، أما الثلاثة الباطلة: فالأول منها تركها كلها، ووجه بطلانه واضح، لأن عدم الاشتغال بالتقدم المادي يؤدي إلى الضعف الدائم والتواكل والتكاسل، ويخالف الأمر السماوي في قوله جل وعلا: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة {الآية: 18 60 } لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى... حتى يراق على جوانبه الدم..
القسم الثاني من الأقسام الباطلة: أخذها، لأن ما فيها من الانحطاط الخلقي وضياع الروحية والمثل العليا للإنسانية أوضح من أن أبينه، ويكفي في ذلك ما فيها من التمرد على نظام السماء، وعدم طاعة خالق هذا الكون جل وعلا: آلله أذن لكم أم على الله تفترون {10 59} أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله {42 21}.
والقسم الثالث من الأقسام الباطلة: هو أخذ الضار وترك النافع، ولا شك أن هذا لا يفعله من له أقل تمييز.
فتعينت صحة القسم الرابع بالتقسيم والسبر الصحيح، وهو أخذ النافع وترك الضار، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد انتفع بحفر الخندق في غزوة الأحزاب، مع أن ذلك خطة عسكرية كانت للفرس، أخبره بها سلمان فأخذ بها، ولم يمنعه من ذلك أن أصلها للكفار، وقد هم صلى الله عليه وسلم بأن يمنع وطء النساء المراضع خوفا على أولادهن، لأن العرب كانوا يظنون أن الغيلة ـ وهي وطء المرضع ـ تضعف ولدها وتضره، ومن ذلك قول الشاعر: فوارس لم يغالوا في رضاع... فتنبو في أكفهم السيوف ـ فأخبرته صلى الله عليه وسلم فارس والروم بأنهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم، فأخذ صلى الله عليه وسلم منهم تلك الخطة الطبية، ولم يمنعه من ذلك أن أصلها من الكفار، وقد انتفع صلى الله عليه وسلم بدلالة ابن الأريقط الدؤلي له في سفر الهجرة على الطريق، مع أنه كافر، فاتضح من هذا الدليل أن الموقف الطبيعي للإسلام والمسلمين من الحضارة الغربية هو أن يجتهدوا في تحصيل ما أنتجته من النواحي المادية، ويحذروا مما جنته من التمرد على خالق الكون جل وعلا فتصلح لهم الدنيا والآخرة، والمؤسف أن أغلبهم يعكسون القضية فيأخذون منها الانحطاط الخلقي، والانسلاخ من الدين، والتباعد من طاعة خالق الكون، ولا يحصلون على نتيجة مما فيها من النفع المادي، فخسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. انتهى كلامه رحمه الله.
وإذا علمت هذا، فانظر ما تريد محاكاة الغرب فيه وتقليدهم فيه إن كان مما أباحه الشرع ومما يعين على الأخذ بأسباب القوة والمدنية، فلا حرج فيه، وإن كان أمرا باطلا من الشهوات المضمحلة الفانية، أو كان أمرا من خصائصهم الدينية فتجنبه واحذر مشابهتهم فيه، ونحن لم نفهم على وجه الدقة أي نوع من أنواع التدريب هو الذي تحب أن تحاكي هؤلاء الكفار فيه، ومن ثم فنحن نحيلك على ما مر من كلام الشيخ، فزن هذا الذي تريد محاكاتهم فيه بهذا الميزان الدقيق، ثم افعل ما يقضي به الشرع الشريف، وأما التمثيل ونحوه من الباطل: فهو من القسم الذي يمنع التشبه بهم فيه، فهذا عن سؤالك الأول.
وأما سؤالك الثاني: فإنك إذا شرعت في الصلاة تقرأ دعاء الاستفتاح استحبابا، ثم تتعوذ استحبابا، ثم تقرأ البسملة مرة واحدة، ثم تشرع في قراءة الفاتحة، ولا تحتاج لقراءة البسملة أكثر من مرة.
والله أعلم.