السؤال
ما تفسير قول عبد الله بن عمرو بن العاص(إني على خصام أو خلاف مع أبي) للرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من أهل الجنة 3 مرات متتالية، فأراد معرفة حقيقة عمله ثم أخبره بأن الخصام غيرصحيح، ولكم مني جزيل الشكر ووفقكم الله.
ما تفسير قول عبد الله بن عمرو بن العاص(إني على خصام أو خلاف مع أبي) للرجل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من أهل الجنة 3 مرات متتالية، فأراد معرفة حقيقة عمله ثم أخبره بأن الخصام غيرصحيح، ولكم مني جزيل الشكر ووفقكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالحديث رواه أحمد في مسنده، وعبد الرزاق في مصنفه عن أنس بن مالك قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال -وكدت أن أحتقر عمله- قلت: يا عبد الله؛ إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ماهو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق. وأما قوله (فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا)، ثم قوله بعد ذلك (إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر) فهو قول أراد به الوصول إلى مصلحة دينية راجحة، ولذا قال الحافظ في الفتح: الكذب وإن كان قبيحا مخلا، لكنه قد يحسن في مواضع . وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: وبالجملة، يجوز للإنسان أن يظهر قولا وفعلا مقصوده به مقصود صالح، وإن ظن الناس أنه قصد به غير ما قصد به إذا كانت فيه مصلحة دينية مثل: دفع الكفار عن المسلمين، أو الاحتيال على إبطال حيلة محرمة أو نحو ذلك، فهذه حيلة جائزة، وإنما المحرم مثل أن يقصد بالعقود الشرعية ونحوها غير ما شرعت العقود له، فيصير مخادعا لله، كما أن الأول خادع الناس ومقصوده حصول الشيء الذي حرمه الله لولا تلك الحيلة وسقوط الشيء الذي يوجبه الله تعالى لولا تلك الحيلة، كما أن الأول مقصوده إظهار دين الله ودفع معصية الله . والله أعلم.