السؤال
أنا مسوق على الويب وأرغب في العمل في التسويق بموجب التفاصيل التالية: أبحث في الإنترنت عن منتجات أريد تسويقها، بشرط أن تكون مما يباح بيعه، وعندما أجدها أستأذن من صاحب المنتج الأصلي بأنني سأبيع منتجاته في متجري على الإنترنت بسعر أعلى، ولا أطلعه على السعر، ويوافق، فأفتح متجرا على الإنترنت وأعرض فيه منتجات آخذ صورها وتفاصيلها من مواقع المنتجات التي وجدتها في النقطة السابقة، وتوجد شركة اسمها: شوبيفاي ـ توفر لي برنامجا واستضافة المتجر مقابل أجر شهري، ونسبة من المبيعات، وأعمل حملات إعلانية بكلفة مالية لجلب الزوار إلى متجري ليشاهدوا المنتج المعروض في موقعي، ويقوم أحد الزوار بشراء المنتج، ويدفع النقود كاملة على أن يتم شحن المنتج إليه ووصوله إلى عنوانه في فترة محددة ـ 15 أو 60 يوما ـ والذي يحصل في الحقيقة أن الزبون يدفع النقود كاملة لشركة شوبيفاي، وليس لي, ولا تقوم الشركة بإرسال المبلغ إلي واستقطاع نسبتها إلا بعد أن أقوم بالخطوات التالية: شراء المنتج، وشحنه، والإشارة إلى أن عملية البيع قد تمت، وأذهب إلى المتجر الأصلي في النقطة الأولى، وأشتري المنتج، وأطلب منه أن يرسل المنتج إلى عنوان الزبون، وأن يكتب على المنتج كلمة هدية، ولا يضع عليه السعر الأصلي، وفي حال لم يصل المنتج إلى الزبون، أو وصل بصورة مغايرة للصور التي تم الاتفاق عليها أستطيع أن أرد له أمواله، وأسترد أموالي من البائع الأصلي، والأرباح التي أحصل عليها من هذه الطريقة أغطي بها مصاريف الحملات الإعلانية، وبناء متجري، ووقتي، ومجهودي، والبرمجيات التي أشتريها لإدارة هذا المتجر، فهل يدخل هذا الموضوع في عقد السلم، أو بيع ما ليس عندي؟ وهناك فتويان وجدتهما في إسلام ويب: الأولى أباحت طريقة مشابهة، وأدخلتها في عقد السلم، والثانية أدخلتها في بيع ما ليس عندك.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دام السائل لا يملك السلعة عند العقد، فإذا باعها فقد باع ما ليس عنده، وهذا النوع من البيوع منهي عنه، ورخص الشرع في بيع السلم استثناء من هذا الأصل، وهو بيع شيء موصوف في الذمة، ولكن لا بد من توفر بعض الشروط ليصح شرعا، ومن أهمها: تسليم رأس المال للمسلم إليه في مجلس العقد، وأن يكون المسلم فيه مما يمكن ضبطه بالوصف بحيث تنتفي الجهالة عنه، وأن يكون دينا، أي شيئا موصوفا في الذمة غير معين، وقد سبق أن نبهنا على ذلك وذكرنا بقية شروط صحة بيع السلم في الفتوى التي أشار إليها السائل رقم: 111426. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 11368، ورقم: 129763.
فإذا تخلف شرط من شرط صحة عقد السلم، رجعنا إلى حكم الأصل، وهو النهي عن بيع ما ليس عندك، كأن يتخلف تسليم كامل الثمن في مجلس العقد، أو يكون المبيع شيئا معينا لا شيئا موصوفا في الذمة، أو كان مما لا يمكن ضبطه بالوصف، وعلى هذا تحمل الفتوى الثانية.
وبالنسبة لخصوص ما ذكره السائل عن طريقة تعامله، فإنه يشكل عليه كعقد سلم، أن الثمن لا يسدد للبائع، وإنما يسدد للشركة المستضيفة، حيث قال السائل: الزبون يدفع النقود كاملة إلى شركة: شوبيفاي ـ وليس لي ـ وهذا ليس على سبيل الوكالة؛ لأن الشركة لا ترسل المبلغ للسائل إلا بعد أن تتأكد من إتمامه لعملية الشراء والشحن، كما ذكر السائل، فهي أشبه بالوسيط بين البائع والمشتري، وتسليم رأس المال لوسيط عند العقد بهذه الصورة لا يعتبر قبضا؛ لأن البائع في هذه الحال لم يتملك الثمن، ولم يدخل في ضمانه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 129763. على أن الوكالة في عقد السلم إنما تصح من المشتري في تسليم الثمن.
وأما قبول السلم فالتوكيل فيه من البائع محل خلاف بين أهل العلم، فيصح عند بعضهم ما دام الوكيل والموكل في مجلس العقد، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: ويصح توكيل من العاقدين أو أحدهما بعد عقد في قبض ربوي وسلم، ويقوم قبض وكيل مقام قبض موكله ما دام موكله بالمجلس أي: مجلس العقد، لتعلقه به، سواء بقي الوكيل بالمجلس إلى قبض أو فارقه ثم عاد وقبض؛ لأنه كالآلة، فإن فارق موكل قبله: بطل، وإن وكل في العقد اعتبر حال الوكيل. اهـ.
وعند الحنفية لا يصح أن يوكل البائع من يقبض له الثمن في عقد السلم، وإنما يصح أن يوكل المشتري من يعقد له عقد السلم، قال القدوري الحنفي في مختصره: يجوز التوكيل بعقد الصرف والسلم، فإن فارق الوكيل صاحبه قبل القبض بطل العقد، ولا تعتبر مفارقة الموكل. اهـ.
فقال ابن الهمام في شرح الهداية: قال المصنف ـ يعني المرغيناني ـ ومراده التوكيل بالإسلام، أي: مراد القدوري بالتوكيل بعقد السلم التوكيل بالإسلام، وهو توكيل رب السلم غيره بأن يعقد عقد السلم، ولفظ الإسلام إنما يستعمل من جانب رب السلم، يقال: أسلم في كذا: إذا اشترى شيئا بالسلم دون قبول السلم، أي: ليس مراده بذلك التوكيل بقبول السلم، وهو التوكيل من جانب المسلم إليه؛ لأن ذلك ـ أي: لأن التوكيل بقبول السلم ـ لا يجوز، فإن الوكيل حينئذ يبيع طعاما في ذمته على أن يكون الثمن لغيره، أي: الموكل، وهذا لا يجوز؛ لأن من باع ملك نفسه من الأعيان على أن يكون الثمن لغيره لا يجوز، فكذلك في الديون، نص على ذلك محمد في باب الوكالة بالسلم من البيوع. اهـ.
وقال الكرابيسي في الفروق: إذا وكل رجل رجلا أن يأخذ له درهما في كر طعام سلما لم يجز، ولو أنه وكله ليأخذ له دراهم ويبيع كر طعام للموكل في بيته جاز، والفرق بينهما أن الوكيل هو العاقد، وحقوق العقد متعلقة به، وعقده على حنطة في ذمة غيره لا يجوز، فقد أمره بأن يبيع كر حنطة من ذمة نفسه، ويجعل بدله له، فصار كما لو أمره أن يبيع عينا من أعيان مال الوكيل، ويجعل بدله له، ولو كان كذلك لم يجز، كذا هذا، وليس كذلك البيع؛ لأنه لم يأمره أن يبيع كرا من ذمته، وإنما أمره بأن يبيع عينا من أعيان ماله، فلم يشترط بدل ملكه له، فجاز، وصار كما لو باعه الموكل، ولو باع بنفسه صح، كذا هذا. اهـ.
وعلى هذا؛ فلا يصح تعامل السائل باعتباره عقد سلم، وإن كانت شركة شوبيفاي وكيلا حقيقيا عنه في عقد السلم، فما بالنا وهي ليست كذلك؟!
وأمر آخر فيه محذور شرعي عند جمهور أهل العلم، وهو الجمع في الأجرة الشهرية ونسبة من المبيعات لصالح شركة شوبيفاي، وهذا لا يجوز على المعتمد المفتى به في المذاهب الأربعة، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 58979، ورقم: 169513.
والله أعلم.